ليسَ منْ غطاءٍ لأحَد..!!
جفرا نيوز - بقلم المحامي رفعت الطويل
قد يكون ُمفاجئاً للبَعض عَدمُ تدخُّلِ القصرِ المَلكي لإنقاذِ أحدٍ ممّن تَمّ التَحقيق مَعهم منْ قِبلِ هيئات مُكافحةِ الفَساد أو تمّ توقيفُهم منْ قِبَلِ الإدعاءِ العَام أو مُحاكمتهم وإدانتُهم منْ قِبل القَضاء، لماذا يَتفاجأ هؤلاءِ رَغمَ ما أكدّهُ جَلالةُ المَلك مِراراً وتِكراراً وفي أكْثرِ منْ مُناسبةٍ بعِباراتٍ واضحةٍ وصريحةٍ منْ أنّه لا حَصانةَ لأحَد في قَضايا الفَساد. يَستغربُ هَؤلاء مثلَ ذلكَ المَوقف رُغم أنّه يَنبُعُ منْ حقيقةٍ واضحَةٍ وبَسيطةٍ تتمثَّلُ في أنّ كُل مَن يَثبُتُ اسْتغلالُهُ لمَوقعهِ ولثقةِ جَلالةِ المَلكِ بهِ مَهما كانَ ذلكَ المَوقع لنْ يكونَ مصيرهُ بيدِ أحَدٍ سوَى القَضاء.
يَستغربُ هَؤلاء ذلكَ المَوقف منْ جَلالته..! رُبّما لأنّ عَدداً كبيراً منهُم كانوا في الماضي منْ أقربِ المُقرّبين إلى القَصرِ، وهُم الآن يُواجهونَ وَحدهُم مَصيرَ الإساءَة لأمانةِ المَسؤولية التي حَملوها ولَم يتدخّل أحَدٌ في عَملهم على الإطْلاق، فتَحكّموا في مَصير البلادِ والعباد. واعْتقدوا لفَترةٍ منَ الزّمن أنّهم أكْبرُ منْ أنْ يُحاسَبوا وأنّ عُلوّهم في الأرضِ بلغَ درجةً جَعلتهُم فوقَ أيّ رقيبٍ أو حَسيب. لقَد اعْتقدوا أنّ مثلَ تلكَ الثّقة منْ جَلالته تمنحهم حَصانة تَحميهم منَ المُساءلة، إلا أنّهم فُوجئوا بزَيفِ اعْتقادهِم هَذا وبأنّ أخْطاءَهم بلْ خطاياهُم كانَت أكبرَ منْ أنْ تُحتَمل.
إنّ ما حَدث ويَحدُثُ لهذهِ الثلّة التّي تُحاكَم بقَضايا فَساد (باسْتثناءِ مَن تَثبُتُ بَراءتُهُم أمامَ القَضاء بطبيعةِ الحَال) يَجبُ أنْ يكونَ عبرَةً لمنْ يَعتبر، ويَجب أنْ تُستخلصَ منهُ الدُروس الصَعبة لأولي الحِجا والفهمِ منَ القَوم، فما يَحمي الإنسان هُو إخلاصُهُ و تَفانيهِ في العَمل لا حَجم المَوقع الذي يَشغله. وأنّ مَوقفَ جَلالتهِ منْ أولئكَ كانَ في الفَحوى والمَضمون رَسائلَ منَ القَصر كانَت في أغلبِها صَريحة وواضحَة ليسَ لأحدٍ الادّعاءُ بسُوءِ فهْمها أو فهْمِ الإشاراتِ التّي كانَ القَصرُ يُريدُ إيصَالها بشكلٍ واضِح لكافةِ المَسؤولين في السُلطة والمُعارضة على حَدٍ سَواء، إلا أننا نُلاحظ و رُغمَ كُلِّ ذلكَ أنّ بَعض السيَاسيّين لمْ يفْهمُوا بعدُ تلكَ الرَسائل رَغم الصَراحة المُطلقة فيها، ورَغمَ وضُوحِ لُغتها فَيَعزُون إلى جَلالته أنهُ هُو مَنْ جاءَ بهَؤلاء إلى السُلطة، فأيّ بُهتانٍ هَذا الذي جاءَ بهِ اتهامُهم ذلك؟ ورَغمَ هذا فإنّ القَصرَ –الذي مِنْ شيَمهِ النّأيُ بنَفْسهِ عنِ الرَدّ على أيٍّ منْ ذلك- همُّه (منْ قبلُ ومنْ بَعد) مَصلحَة المَواطن الذّي لَم يَعُد يَخفَى عليهِ أيُّ أمرٍ فصَارَ كلّ شَيء أمامَهُ كتاباً مفتوحاً لا يَختلطُ فيهِ حَابلٌ بنابِلٍ، سيّما بَعد الأحْداثِ الأخيرَةِ التّي بانَ فيها الخَبيثُ منَ الطيّبِ والغَثُّ منَ السَمين. لكلِّ ما سَبق، فأكثرُ ما يَدعو إلى الاسْتغراب هوَ اسْتغرابهُم في حَدّ ذاتِه! ألَم يَكُن قُربُهم منَ القَصرِ ومنْ صَاحبِ الأمرِ فيِه كافياً ليَعلموا بأنّ الهَمَّ الأكبَرَ لهُ كانَ ولمْ يزَل مَصلحةَ هَذا الوَطن والمُواطنين فِيه.
لتلكَ الثَلّةِ التّي يُحاكَمُ بَعضها الآن بقَضايا الفَساد (وكَما قُلنا باسْتثناءِ مَنْ تَثبُتُ بَراءتُهم أمامَ القَضاء) نَقولُ بأنّ الحَال لمْ يعُد كما كَان، ولنْ يَكونَ هنالك اليومَ من مكانٍ سِوى لمُخلصٍ مُجِدٍ في عَملِه ولا استِخلافَ بعدَ اليَوم إلا للقَويّ الأمين. وإنّ أبوابَ وليّ الأمرِ في هَذا البلدِ العَزيز مُشرّعةٌ على الدَوام لكُل صَاحب مَظلمة أو شاهدٍ عليها شَريطَةَ ألا يَتّهمُ أو يَشهد بغَيرِ ما يَعلم، وفي ذاتِ الوَقت ألا يَكتُمَ الشَهادة فيَأثَمَ قلبُهُ لذَلك، ولذا فعليهِ ان يُبلّغُ عَن أيّ تَجاوز مَهما كانَت طَبيعتُهُ ومنْ أيّ فَردٍ كانَ دونَ أيّ تَأخير، وأيٌّ منْ ذلكَ ليسَ صَعباً على هذا البلَد الوَلود للصَالحينَ والمُصلحينَ وإذا ما شَابَهُ بعضُ الخُبثِ فالقَضاء كَفيلٌ بتَطهيرهِ منْهُ، والسُدود التي أقامَها أولئكَ للحَيلولَةِ دونَ الوصُولِ إليهِ قدْ تَهاوَت ونُسِفَت نَسفاً بمِعْولِ المُخلصين منْ أبناءِ هَذا البَلد وعلى رأسِ أولئكَ المُخلصين وفي مُقدمَتهِم وليُّ الأمرِ ذاتِه.
إنّ منْ يتأمّل في خِطاباتِ جلالةِ الملكِ وتصريحَاتِهِ يَجدُها نابعَةً عنْ ثقةٍ مُطلقةٍ بالنّفس، وليْسَ هَذا فَحَسب، بلْ ويَستشَفّ منْها عُلوّ الثقّةِ التي يَتعامَلُ بهَا مَعَ شَعبهِ. فعَسانا أنْ نكونَ على قَدْرِ هَذهِ الثّقَة، وحريٌّ بنا أنْ نُقدّرَ الهاشمّيين نعمَةً وكرامَةً حَبانا الله بها كشَعب.
حمَى الله الأردُن وأهْلَهُ ومَليكََهُ ووَليّ عَهْدِهِ وحمَى جَيْشَهُ وأجْهزتَهُ الأَمْنيّة ...