نضال الفراعنة يكتب.. قصتي مع ابو سهل "رفيق سلاح وأب ومعلم".. ورجل سياسة لم تهزمه "الوشايات"
جفرا نيوز - خاص- نضال الفراعنة
الموت حق هذا ما يقوله المؤمن الحقيقي حينما يُفْجَع برحيل مَن يحب، ورغم الإيمان والتسليم بقدر الله عز وجل، إلا أن بعض الرحيل يكون بـ"طعم العلقم" الذي يأبى أن يفارق الروح والقلب، ففجيعة الأردن، وفجيعتي أنا الشخصية يصعب الإحاطة بها، أو تخفيف ثقلها كونها "ثقيلة وصعبة وعصيبة"، وفوق ذلك حافلة بالذكريات والمواقف التي يصعب طيها ونسيانها، فعبدالهادي باشاالمجالي لم يكن إسما أردنيا عابرا، فقد أعطى من عمره أكثر من 60 عاما في خدمة الأردن فقد عمل في مواقع حساسة جدا، إذ يصعب اليوم أن تجد مَن يقول إن الخسارة "ليست ثقيلة وكبيرة".
لن أتحدث عن مناصبه وخدمته ومواقفه الوطنية القوية جنديا وقائدا عسكريا وأمنيا و"قامة تشريعية وحزبية" وسفيرا في "عاصمة قرار العالم"، فقط أريد أن أتحدث عن "مواقفه وذكرياته" مع العبد الفقير لله كاتب هذه السطور الذي كان أبو سهل رحمه الله يناديه بـ"الإبن البار"، والصديق، بينما كنت أنا أسميه "رفيق السلاح" وتلك قصة سأمرّ عليها لاحقا في هذا المقال.
أنا علاقتي بعبدالهادي المجالي ليست طويلة بعدد السنوات، لكنها "الأطول عمرا" بالمواقف القوية والصداقة الفريدة بين رجل سياسة وناشر إعلامي، فأنا أريد أن أقول إن علاقتي به هي علاقة "الأب بالإبن"، الأب الطيب الشهم المتواضع الرجل الحقيقي الصبور والمحترم والمهذب صاحب المواقف، الذي كان يبادر للاتصال بي -وأنا المقصر- ليسأل عن سبب غيبتي بقول لازمته الساحرة والتي سأفتقدها طويلا: "وينك ليه ما بتيجي"، قاصدا زيارته في دارته ومكتبه الذي ظل مفتوحا حتى في أصعب ساعات انشغاله بالعمل العام.
أتذكر في أحد المرات أنه دعاني برفقته لافتتاح مقر البرلمان العربي في العاصمة السورية دمشق حينما كان رئيسا لمجلس النواب، ورئيسا للبرلمان العربي لكني أبلغته بأن السلطات السورية قد تمنعني من دخول أراضيها، لكنه قال لي "تعال مع الوفد الذي كان سينطلق برفقة الوزير السابق غالب الزعبي"، فقد كان الراحل قد سبقنا بيوم إلى دمشق، لكن تفاجأت على الحدود السورية بما كنت أتخوف منه إذ لم يسمح لي رجال أمن الحدود السوريين بالدخول وطلبوا مني العودة، لكن أحطت أبا سهل علما، وتمنيت عليه ألا يشعر بالحرج، وأن يطوي الصفحة، لكن الراحل طلب مني الانتظار على الحدود لدقائق، قبل أن يعود رجال أمن سوريين ويطلبون مني عبور الحدود والسفر صوب الشام، إذ علمت لاحقا من نواب مرافقين إن المجالي قد اتصل برئيس وزراء سوريا السابق محمد ناجي عطري وأبلغه أن عدم دخول نضال فراعنة يعني أن الوفد الأردني سيعود بسرعة إلى عمان، وهو الموضوع الذي وعد عطري بحله خلال دقائق قليلة.
كان مكتبه ودارته أشبه بـ"وطن صغير" يجمع شخصيات من شتى المنابت والأصول، والحزن الأردني عليه اليوم ليس مصطنعا، فقد كان قريبا من كل الأردنيين في "أتراحهم وأفراحهم"، فقد ظهر في بيوت عزاء عدة متحاملا على أوجاعه التي أخفاها عن الجميع حتى لا يقلق محبيه، وأتذكر أنني كنت دائما أذهب إلى دارته لألتقي به ومعه الرفاق -مع حفظ ألقابهم- جمال الضمور، غالب الزعبي، رائد حجازين ،مفلح الرحيمي ، المرحوم عبد الله الجازي ،المرحوم رياض الصرايره، وفيصل البطاينه، وعبدالله زريقات، إذ كنا نلتقي في منزل الشيخ أبو نادر عبد الحي المجالي نلعب الشده والزهر مع المرحوم حمدي الحباشنه وابو عمار الحباشنه وابو مازن الحباشنه ومروان سلطان ، فقد كنت أصغرهم سنا وقدرا، فقد كانت خيمة أبونادر تلم الجميع.. رحم الله مَن غادر الدنيا الفانية، وأطال الله بعمر مَن بقوا وأسأل الله لهم العمر المديد والصحة التامة.
كان الوزير السابق غالب الزعبي يسألني باستمرار في لقاءاتنا المتكررة مستفسرا بحب وحنو: الباشا أبوسهل يحبك كثيرا.. ما سبب هذا الحب؟"، فكنت أقول له باعتزاز مازحا أنا وأبوسهل "رفاق سلاح"، وحينما كان يضحك ويستغرب إجابتي كنت أقول له لقد تشرفت حينما خدمت في الجيش العربي بأن كان عبدالهادي المجالي رئيسا لهيئة الأركان المشتركة في عقد الثمانينات من القرن الفائت، أوليست هذه المصادفة الجميلة تعطيني الحق تحببا واحتراما أن أقول بأنني والباشا الراحل أبو سهل كنا "رفاق سلاح".
أفضى الباشا المجالي لما قدّم وأصبح عند خالقه، وهي مناسبة تستدعي القول إن الرجل "مات مظلوما" جراء الكم غير المسبوق من "الوشايات والافتراءات" التي ظل خصوم تجربته العنيدة يطلقونها أملا في إسقاطه وإبعاده، إذ قال لي ذات يوم إنه يعرف أن كل الوشايات والافتراءات ستسقط لوحدها وبدون جهد منه، حين يعجز عن خصومه عن إسقاطه أو إبعاده، فقط كان وطنيا شجاعا صلبا أكد على ولائه المطلق للعرش وللهاشميين منذ خمسة عقود، أوليس أدل على ذلك من "الهاتف الذي لم يهدأ" للأقارب المرافقين للراحل من يوسف العيسوي رئيس الديوان الملكي الذي كان يستفسر بشكل ملح ومتكرر عما يمكن للديوان تقديمه لعائلة أبوسهل الذي فارقنا اليوم تاركا لنا "تجربة ثرية" و "مرارة الفقد".. و"وجع الذكريات" رحم الله أبا سهل والعمر المديد لعائلته وأحفاده.
اوجعت قلبي يا باشا كما اوجع قلبي قبلك يحي السعود رحمكم الله