القطاع الزراعي ليس من سلع «الشنطة»
جفرا نيوز - كتب ابراهيم عبدالمجيد القيسي.
قيل؛ ويقال كثيرا، بأن «الأردن بلد مأكول مذموم»، وهو قول يطلقه مطلقوه في مناسبات ما، لا سيما حين يتنكر أحدهم لخير وفضل هذا البلد وهذه الدولة، ويقوم بمهاجمتها، وقد يهاجمها انطلاقا من حالة غضب ما، لكنه يثوب إلى المنطق والعقل، فيتراجع عن هجومه، وفي حال كان «محترما»، فهو يعتذر، فثقافة الاعتذار أيضا قيمة فضلى، وهي شجاعة، لكن ثمة من تكون مهنته توظيف الإنكار والإستنكار، والاعتراض، وهذا فن قد نقبله في السياسة و»الديمقراطية»، لكنه يكون محرّما مجرّما، حين يتجاوز على فئات اجتماعية او اقتصادية أو مهنية، ويغدو ضربا من ضروب «تجارة الشنطة» و «مضارباتها..
للجدل في قضايا القطاع الزراعي رحىً تدور دوما، فالقطاع يواجه مشاكل قديمة جديدة، منها ما هو ثقافي نمطي، ومنها ما هو مرتبط بالمناخ وبالمصادر الطبيعية، كتوفر المياه واحتداد الأزمات السياسية والصراع في الإقليم، الأمر الذي يؤثر بسرعة على دينامية وسلاسة عمليات التجارة والتسويق في هذا القطاع ومنتجاته ومستلزمات الانتاج فيه، بل إن بعض الأزمات تؤثر أحيانا على القوى والأيدي العاملة (كورونا مثالا)، التي يعتمد عليها قطاعنا الزراعي، فهو ما زال قطاعا يدويا، رغم دخول التكنولوجيا إليه من خلال استثمارات كبيرة، لكن المزارع البسيط لا يمكنه الاقتراب من هذا النمط من العمليات الزراعية المؤتمتة أو التي تستخدم المكننة الزراعية.
إن أهم دور تقوم به الدولة الأردنية من خلال الحكومات المتعاقبة، هو تنظيم القطاع الزراعي، والإسهام في حل مشاكله من خلال دعم المزارعين، وتطوير قدراتهم، ومن خلال تنظيم الانتاج لضمان التسويق، وسلاسة استيراد المنتجات الزراعية على شكل لا يؤثر على الانتاج الزراعي المحلي، دور مهم بل «مقدس» تقوم به وزارة الزراعة في كل الظروف، التي قد تكون قاسية أحيانا، لا سيما وقت اشتداد واحتداد الأزمات الإقليمية والحروب، والظواهر الطبيعية، كالمناخ والطقس السيء، مع التذكير بأن الثقافة النمطية في الزراعة والانتاج هي تحد مستمر وقائم، لكن الفرق بينها وبين الظروف الاستثنائية، أن الأخيرة لا ترتبط بوقت، ولا يمكن تأجيل التعامل معها، لأن الانتاج الزراعي مستمر لا يتوقف، ويتطلب تنظيما وتسويقا وتسهيلات، فالطلب على الغذاء يومي ولا يمكن تأجيله، ونعود لمثال «عام الكورونا»، لأن فيه إجابة كاملة على أهمية المزارع والقطاع الزراعي ودور وزارة الزراعة، وهو بالمناسبة تحدٍّ لم يختف وما زال ماثلا.
لا يجوز لأية جهة أن تتفرد بقراراتها حول هذا القطاع، فهو قطاع يحتاج الى مزارع وتاجر، ومستهلك، (وهو المواطن)، حيث تجتهد كل الدول في العالم لتحسين حياته، وتأمينه بكل مستلزماته الغذائية والدوائية والتعليمية وحتى الترفيهية، وبالتالي لا يحق لأحد أو جهة أن «تختطف» دور المؤسسات الرسمية القانونية المسؤولة عن تنظيم هذا القطاع، أو الجهات المهنية والفعاليات الاقتصادية التي تتقاطع معه، وأية محاولة للاستفراد بالقرار سيكون لها مردودها الأسوأ على كل أطراف المعادلة، لذلك ليس سهلا أن نتحدث عن هذا القطاع الأساسي الكبير كأية سلعة «صغيرة»، يمكن وضعها في «شنطة» يحملها أي تاجر شنطة.
حقق الأردن الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل، وحققه بنسب متفاوتة في منتجات كثيرة أخرى، ومن المعروف أن هدف تحقيق الاكتفاء الذاتي، هو هدف وطني بالنسبة لكل الدول، ومن الطبيعي أن تتغير الأولويات بناء على توفر الانتاج المحلي، فأحيانا تلجأ الدولة للاستيراد من الخارج لتأمين الغذاء للمواطن، وأحيانا توقف هذا الاستيراد لحماية المزارع الذي يستثمر في القطاع، أو الذي يعتاش منه، ويشقى عاما كاملا كي يحصل على أرباح متواضعه تسد رمق عائلته، فلا يجوز أن تتراخى الدولة لا في حال شح السلع ليرتفع سعرها، ولا يتمكن المواطن من شرائها، ولا أن تتراخى، حين يثمر محصول المزارعين ويتم قطافه أو حصاده، فلا يجد سوقا ولا سعرا يعوض المزارع عن تعبه، فهل تراه سيعود للمغامرة بالزراعة إن هو خسر محصوله !، وفي الحالتين نحن نتحدث أيضا عن أهمية التاجر المختص بالغذاء ومستلزمات الانتاج، سواء أكان مصدّرا أم مستوردا، فدوره أساسي ومحوري، وهو الذراع الاقتصادية الذكية، التي تضمن توازن الدول، وثباتها اعتمادا على استقرار اقتصاداتها.
(المشكلة تكمن في المطالبة بإطلاق استيراد السلع الزراعية التي ستحقق بلادنا الاكتفاء الكامل منها قريبا ولأول مرة، وتحقق لنا مظلة أمن غذائي صلبة، وهي قصة النجاح الأكبر التي تحققت نتيجة كفاح امتد عشرات السنوات..).