من التهديد النووي إلى الوبائي..!

جفرا نيوز - كتب علاء الدين أبو زينة

حتى وقت قريب، كان التهديد النووي هو الشبح المرعب الذي يخيم على أفق البشرية. ويتراوح التهديد النووي بين تدمير منطقة بقنبلة تكتيكية صغيرة، وتدمير العالم كله والإيذان بنهايته عن طريق تبادل نووي كبير بين القوى الكبرى المالكة لهذه الأسلحة. ولكن، مع أن استخدام سلاح نووي، أو حتى بدء حرب نووية شاملة يقع على بعد «كبسة زر» من أصابع الأشخاص المخولين، فقد وضعت آليات الانتشار النووي صيغة «الردع المتبادل» التي ضمنت تحييد السهولة التي اتخذ بها الأميركان قرار ضرب هيروشيما ونغازاكي بلا خوف من رد انتقامي متناسب.
من المؤكد أن خطر الأسلحة النووية، التي يغلب أن قوى الهيمنة لن تتخلى عنها أبدا، يظل رهنا بعوامل التقدير الخاطئ والأهواء والاجتهادات البشرية. لكنّ وجود العنصر البشري ومتعلقاته من الضوابط القانونية والأخلاقية والحسابات العملية للربح والخسارة، يجعل طبيعة التهديد النووي مختلفة عن التهديد الوبائي، الذي يُفترض أن تتحكم بإطلاقه قوى الطبيعة العصية على الضبط والتنبؤ، والمحكومة بمعادلاتها الخاصة.
لكنّ البشر الشريرين استولوا حتى على صلاحيات الطبيعة، واستخدموا الأوبئة كسلاح في ما يُسمى «الحرب الجرثومية». وكما هو معروف، روّضت المختبرات العسكرية أنواعا من الجراثيم وحبستها وعبثت بجينوماتها وعبأتها بحيث تستطيع إطلاقها على «العدو» وإصابته بأضرار متدرجة، من الشلّ المؤقت إلى القتل الحتمي. ومن أبرز الأمثلة استخدام الأميركان الحرب الجرثومية في الإبادة الجماعية للسكان الأصليين (الهنود الحمر). وتروي الوثائق أن الأميركان استخدموا البطانيات الملوثة بجراثيم الجدري، مثلاً، وأهدوا بها الموت للسكان الأصليين في شكل الود وحُسن النية. كما استخدموا أيضاً جراثيم الطاعون، والحصبة، والإنفلونزا والسل، والديفتيريا والتفيوس والكوليرا لإبادة أصحاب الأرض، كما تفيد الأدبيات.
الآن، وضع وباء فيروس كورونا المستجد البشرية مباشرة أمام التهديد الوبائي واسع النطاق. ويشير المراقبون إلى ما نشهده الآن من المرض والموت والعزل وشل العالم على أنه جرس إنذار وعيّنة تمثيلية فقط لما يمكن أن تصنعه الأوبئة، ويؤكدون أن أوبئة أفدح تستجمع العزم. وفي الحقيقة، تغري واقعية هذه العينة والنتائج التي أسفرت بتأمل سيناريوهات تستخدم فيها القوى الجشعة الشريرة الأوبئة مرة أخرى كوسيلة لتغيير موازين القوة، مع إمكانية التنصل من المسؤولية.
في قصة «كورونا» اتهم الأميركان مباشرة الصين بتصنيع –أو حتى تصدير- فيروس كورونا، أو التسبب على الأقل بانفلاته بسبب الإهمال. وبحساب تعافي الصين السريع نسبياً ونمو اقتصادها في مقابل تعثر الغرب، وعلى رأسه أميركا، ومعاناته على مختلف الصعد، أصبحت «نظرية المؤامرة» ترتاد أراضي جديدة. ويذهب التفكير كما يلي:
بالبناء على قصة فيروس كورونا المستجد، ماذا لو صنعت الصين (ليس الصين بالضرورة) فيروسا له تأثيرات محسوبة، ثم نشرته بعد تأمين الترياق لشعبها؟ بل وربما تعمد، لذر الرماد في العيون، إلى ترك المرض ينتشر في أراضيها وتضحي ببضعة آلاف من المواطنين، ثم تحتويه وتعاود عملها الاقتصادي بينما الآخرون يعانون، فتقصر بذلك طريقها إلى الأسبقية العالمية؟
بالنظر إلى التجربة البشرية مع القنابل النووية، والحرب الجرثومية، والمذابح الجماعية والاستعمارات والحروب المدمرة، يصعب استدعاء الأخلاق والضمير والإنسانية كصمامات أمان قد تحمي الناس من تفكير على هذا المستوى من الإجرام والشر.
بطبيعة الحال، سوف يميل المرء إلى استبعاد هذه السيناريوهات لبشاعتها التي تفوق التصور. ويميل أكثرنا إلى افتراض أن أي تصورات من هذه النوع تنمي إلى الخيال المريض والمهووس بالمؤامرة، لأن خلاف ذلك يعني فقدان آخر ما تبقى من الإيمان بالإنسانية وجدوى العيش والتناسل والعمل والثقة بالآخرين. ولذلك، يُفضل افتراض أن الطبيعة تُريد أن تُسمَع وتذكر البشر بأنها هي المعنية بمسألة التوازن الطبيعي، ولذلك تحفظ فرصة الفيروسات في الوجود، فتسمح لفيروس مهدد متطفل على حيوان بالقفز إلى الإنسان.
مع ذلك، يصعب أيضاً استبعاد «تخيل» أن يستفيد أحد من «التمرين» الواقعي الذي أشركَنا كلنا فيه وباء كورونا المستجد. ففي نهاية المطاف، لم يكُن البشر خيريّين بحيث يُعدموا الأسلحة النووية بعد بشاعة هيروشيما ونغازاكي –بل دفع ذلك التمرين الجميع إلى محاولة امتلاكها. وليس هناك ما يمنع، من حيث المبدأ، من تصور «ترسانات فيروسية» مبدؤها ضمان التنصل من المسؤولية وإلقاء اللوم على الطبيعة. يبدو تخيل الخطر على الأقل، واقعياً.