حماية البيوت القديمة والإرث العمراني مسؤولية وطنية
جفرا نيوز- كتب زيد النوايسة
مئات البيوت التراثية القديمة التي بُنيت قبل مائة عام وبعد قيام الدولة من الثلاثينيات وحتى بدايات ستينيات القرن الماضي هدمت وأقيم مكانها عمارات تجارية وسكنية في مخالفة صريحة لقانون التراث العمراني والحضري لعام 2005، الذي يمنع ذلك، بينما تركت بعض البيوت لتتحول مستودعات للخردة والاثاث المستعمل بعضها أهمل ليصبح مرتعاً لأصحاب السوابق والمدمنين.
ربما يعود السبب في أن هذه البيوت لم تعد مملوكة لشخص واحد بل آلت بحكم الميراث للعشرات الذين يضطرون في النهاية لبيعها ليقام مكانها مكاتب تجارية وعيادات طبية بالرغم من أن معظمها مصنف كموقع تراثي مميز وهذه على ما يبدو إشكالية قانونية تتعلق بأن الأشخاص أحرار في التصرف بممتلكاتهم.
هناك تجارب مشابهة في أكثر من بلد عربي يُحظر فيها المساس بأي بناء يحمل رمزية وطابعاً للبلد وتراثها ومعمارها ولا يسمح بتحويل هذه البيوت الا لمتاحف أو مقاه أو مطاعم ضمن شروط ومواصفات معينة أو تستملكها الدولة وتقوم بترميمها أو تساعد مالكيها على ذلك سواء من خلال تأسيس جمعيات متخصصة تقوم بتصنيف هذه المباني الى فئات من حيث أهميتها التاريخية وطبيعة الاستخدام الأنسب لها ويتم ذلك بالاستعانة ببيوت الخبرة والمؤسسات الدولية المتخصصة بالعمران والتراث.
قد لا تتمكن الدولة من تقديم دعم مالي كاف ولكنها تستطيع أن تسهل الحصول على تمويل من المؤسسات المانحة الدولية ومن اليونسكو التي تولي اهتماماً كبيراً بوضع العديد من المدن التي تمتاز بنمط معماري وتراثي معين على قائمة التراث العالمي، ولعل في مشروع تطوير الوسط التجاري في مدينتي السلط والكرك والذي دعم من الحكومة اليابانية قبل عشر سنوات خير مثال حافظ على طابع المدينتين ومكن البلدة القديمة في السلط من ان تكون على لائحة التراث العالمي.
قبل عام عرض التلفزيون الأردني برنامجا متخصصا يوثق للبيوت التراثية تحت عنوان «عمران»؛ البرنامج عمل على إعداده الباحث والمهتم بالعمران المهندس محمد رفيع وأخرجه المخرج المتميز عدنان الرمحي ونال اعجاب ومتابعة كبيرة وضعته على سلم أهم الأعمال التلفزيونية.
يمكن القول بلا تردد أن «عمران» وهو اول ملامسة حقيقية قدمت بشكل توثيقي للناس تكشف عن البيوتات والمنازل التراثية التي كانت مسرحا لأهم وإبراز التحولات السياسية والاجتماعية التي عاشتها البلاد وسكنها رموز سياسية وقيادات اجتماعية واستضيف فيها شخصيات عربية لجأت للأردن منذ بدايات قيام الدولة سنة 1921 بعد انهيار الحكم العثماني.
البرنامج الذي تمكن في دورته الأولى وعبر ست عشرة حلقة، مدة كل منها نصف ساعة من إلقاء الضوء على بيوتات عمان القديمة والتي ارتبطت بالعديد من العائلات التي استقرت في عمان منذ العام 1921، وجال على البيوت التي ما تزال قائمة في السلط ومأدبا والكرك وجرش وغيرها من البلدات والقرى من خلال تقديم نص يوثق تاريخ بنائها والأحداث المهمة التي استضافتها، شارك فيه باحثان في التراث ومعماريون وفنانون تشكيليون وادباء، وهو جهد كبير يشكر القائمون عليه لمساهمتهم في تسليط الضوء على تراثنا العمراني.
إذا كانت مدينة عمان وحدها تحوي 1600 موقع تراثي مصنف، فماذا عن بقية المدن الأردنية التي يترك الامر فيها لقرارات المجالس البلدية التي لا يمانع بعضها من هدم البيوت التراثية دون التوقف عند قيمتها التاريخية والحضارية.
هذه البيوت نُسجت وحيكت في زواياها قصص وحكايات تجسد مراحل مهمة من حياة البلاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويجب أن تتمتع بالحماية بموجب القانون وهذه مهمة وزارة السياحة وامانة عمان والبلديات ولنتذكر أن هناك في بلدان مجاورة لنا بيوت عمرها ألف عام وما تزال قائمة.