“واسطة” في اللقاحات..؟!
جفرا نيوز- كتب علاء الدين ابو زينة
كانت العدالة في توزيع لقاحات "كوفيد19″، على الصعيد الدولي أو في داخل البلدان، في قلب النقاش العام حتى قبل إجازة اللقاحات وترخيصها. وأعرب الكثيرون عن قلقهم من استئثار الدول الغنية بالكميات الأولى المنتجة من اللقاحات واكتنازها على حساب الدول الفقيرة. ويبدو أن هذا يتحقق. وحسب فريد زكريا في "الواشنطن بوست”، فقد "طلبت كندا من اللقاحات مسبقًا ما يكفي لتغطية سكانها البالغ عددهم 38 مليونًا خمس مرات. في حين لم يتلق 200 مليون شخص في نيجيريا حتى ولو جرعة واحدة من اللقاح”. وفي حين "تشكل البلدان الغنية 16 في المائة من سكان العالم، فإنها حجزت 60 في المائة من إمدادات اللقاحات في العالم”.
بل إن هناك مشكلة بين الأغنياء أنفسهم، كما يحدث في الاتحاد الأوروبي الذي تحتج دوله على استئثار بريطانيا بالكميات الأولى من لقاحات "أسترا-زينيكا”. وأقرب إلينا هنا، أعلن وزير صحة الكيان الصهيوني أن "حوالي 1.37 مليون إسرائيلي تلقوا (حتى الخامس من كانون الثاني/يناير 2020) الجرعة الأولى من لقاح بيونتيك-فايزر”. وفي المقابل، تلقت معظم دول الإقليم إما تلقت كميات صغيرة من اللقاحات أو لا شيء منه على الإطلاق. وهكذا، كما كان متوقعاً، "تكمن المشكلة الأساسية في كيفية توزيع اللقاح في العالم –لا يذهب حيث الحاجة إليه أكثر ما يكون، وإنما حيث يوجد أكبر قدر من المال”، حسب زكريا.
هذا الواقع العالمي من أسبقية الأغنياء مرشح فوق العادة لتكرار نفسه على المستويات المحلية، حيث يُخشى من حصول النافذين والقادرين على اللقاحات الأولى، على حساب الأفقر والذين بلا اتصالات، حتى لو كانوا أكثر استحقاقاً للأسبقية بحكم معايير الأهلية المتعارف عليها. ولذلك، يُسارع مسؤولو الصحة في المنطقة إلى التأكيد على أنها "ليست هناك واسطة في تلقي اللقاحات”. وينبغي أن يكون الأمر كذلك، لأن خلافه سيعني توريط بلدانهم في صراع مطوّل مع الوباء، بما يجلبه ذلك من تدمير الاقتصادات والحياة والمجتمعات.
في الشهر الماضي، كتبت ميليندا موير في صحيفة "نيويورك تايمز” الأميركية: "على وسائل التواصل الاجتماعي، عثرتُ على منشورات من أصدقاء مؤهلين للتطعيم، لكنهم لم يتمكنوا من الحصول على مواعيد لتلقيه -وكانوا غاضبين لأن آخرين يعرفونهم، ويعتبرونهم أقل تعرضاً للخطر، تم إعطاؤهم اللقاح بالفعل”. وإذا كان هذا يحدث في الولايات المتحدة، فإن من المتوقع أن يحصل في الدول التي يُفترض أن تكون أقل تنظيماً، أو حيث "الواسطة” طريقة حياة. وينبغي عدم الوقوع في هذا خطأ "الاستثناءات” وتجاوز الطوابير بـ”الواسطة”، لأن ذلك يفضي إلى المزيد من نزع الثقة بالحكومات، وربما نفور الناس من عملية التطعيم نفسها.
في الحقيقة، نرى في وسائل التواصل الاجتماعي مزاعم من هذا النوع عندنا. ويدّعي البعض أنهم يعرفون عن تلقي أشخاص يعرفونهم المطعوم، ويتساءلون عن الأسباب التي منحتهم الأولوية، مع أنهم أصغر عمراً، وأحسن صحة، وأقل اختطاراً. وهناك مَن يكتبون أنهم ذهبوا لأخذ المطعوم بعد تلقي رسالة الدعوة في المكان والزمان المحدّدين، ليقال لهم إن المطعوم قد نفد، وعليهم الانتظار. وإذا كان هذا صحيحاً، فأين ذهبت حصتهم من المطعوم الذي ينبغي أن يكون محسوباً بالجرعة ويعطى حسب أولويات معروفة؟
الناس في الدول الفقيرة يعانون بما يكفي مسبقاً، سواء من حيث الأضرار الفادحة التي يلحقها الوباء بأحوالهم المعيشية، أو من حيث عناء حكوماتهم في الحصول على المطاعيم بكميات معقولة. وسيكون تخريب حملات التطعيم بإفقادها العدالة والمنهجية العلمية تآمراً خطيراً على الذات. والمؤمل أن يكون أي حديث عن "تسريب” اللقاحات إلى غير مؤهلين على أساس محسوبيات ووساطات تشويشاً بلا أساس. وفي الأثناء، ربما يحسُن اختيار تكذيب الأخبار عن تلقي أناس اللقاحات مع المعرفة بعدم أهليتهم، والإحجام التحقُّق من أجل الاحتفاظ بالإيمان، والثقة والأمل.
الآن، يسلك الوباء في العالَم منحنيات خطيرة ويعاود الهجوم بسلالات معدّلة. وسيكون واهماً من لا يريد أن يرى ويتصور أننا في مأمن. ويزيد من الخطر بطء التطعيم، وندرة اللقاحات، وانتشار السلالات الجديدة الشرسة، مع فتح القطاعات –على عكس الاتجاه الغالب. والتطعيم هو وسيلة الدفاع الوحيدة المتاحة الآن –مع إجراءات الوقاية المعروفة. وحبّذا لو تُنبذ "الواسطة” في اللقاحات، حيث لا واسطة تكسب حرباً.