التمويل بالعجز أم بالتضخم.. من يدفع الثمن؟!
جفرا نيوز- كتب د. عدلي قندح
أثبتت التجارب العملية أن الاقتصاد الراكد لن يعود تلقائيا إلى حالة توازن طبيعية بعد فترة من الركود، لأنه بمجرد أن يبدأ الانكماش الاقتصادي، فإن الخوف والكآبة اللذين يولدهما بين الشركات والمستثمرين سوف يؤديا إلى فترة طويلة من انخفاض النشاط الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. ومن هنا تأتي أهمية تبني سياسة مالية معاكسة للتقلبات الدورية للاقتصاد، حيث يتعين على الحكومة، خلال فترات الضيق الاقتصادي، أن تتكفل في الإنفاق لتعويض الانخفاض في الاستثمار وتعزيز الإنفاق الاستهلاكي من أجل تثبيت الطلب الكلي. وبالتأكيد، فإن لمثل هذه السياسة المالية بعض العواقب الفورية وقصيرة المدى، وهذه النتائج تعتمد على طبيعة العجز.
فإذا نشأ العجز بسبب انخراط الحكومة في مشاريع إنفاق على البنية التحتية وتقديم الدعم لبعض القطاعات مثلا، فإن تلك القطاعات المختارة لتلقي الأموال قد تحصل على دفعة قصيرة الأجل من التحفيز في عملياتها وربحيتها. أما إذا نشأ العجز بسبب انخفاض الإيرادات الحكومية الناجمة عن تخفيض معدلات الضريبة أو الإعفاءات الضريبية أو انخفاض النشاط التجاري، فلن يحدث مثل هذا التحفيز. وما إذا كان الإنفاق التحفيزي مرغوبًا فيه فهذا أيضًا موضوع نقاش، ولكن لا يمكن أن يكون هناك شك في أن بعض القطاعات ستستفيد منه على المدى القصير. وعلى كل الأحوال يجب تمويل العجز. فكيف يتم ذلك؟!
يتم ذلك في البداية من خلال إما الحصول على المنح المجانية وهذا عصر انقضى إلا لأغراض سياسية بحتة وله في العادة ثمن باهظ، أو من خلال اقتراض الحكومة عن طريق بيع أذونات وسندات الخزينة بالعملات المحلية أو بالدولار. ويتمثل الأثر الأولي الواضح للاقتراض الحكومي المحلي في أنه يقلل من الأموال المتاحة في الاقتصاد والتي يمكن إقراضها أو استثمارها في أعمال أخرى، ويسمى ذلك مزاحمة الحكومة للقطاع الخاص على الأموال المتوفرة في السوق. علاوة على ذلك، فإن بيع الأوراق المالية الحكومية لتمويل العجز له تأثير مباشر على أسعار الفائدة. فالسندات الحكومية تعد استثمارات آمنة للغاية، لذا فإن سعر الفائدة المدفوع على القروض المقدمة للحكومة يمثل استثمارات خالية من المخاطر ويجب أن تتنافس عليها جميع الأدوات المالية الأخرى تقريبًا. فعلى الأنواع الأخرى من الأصول المالية أن تدفع سعرًا مرتفعًا بما يكفي لإغراء المستثمرين للابتعاد عن الاستثمار في السندات الحكومية. وهذا يؤثر بشكل سلبي في الطلب على الائتمان في السوق، ويعمل بالتالي على إحباط النشاط الاقتصادي من جديد. وفي العادة يتدخل البنك المركزي من خلال عمليات السوق المفتوحة للتأثير في أسعار الفائدة وتصحيحها ولكن ضمن حدود السياسة النقدية. وبالتالي، فإن جميع حالات العجز لها تأثير في تقليل مخزون رأس المال المحتمل في الاقتصاد.
أما إذا قام البنك المركزي بتحويل الدين بالكامل إلى نقود (طباعة نقود لأغراض سداد الدين الحكومي)، وهو أمر يمنعه القانون بصورة مباشرة في الأردن؛ فالخطر سيكون من ارتفاع معدلات التضخم وليس تخفيض حجم رأس المال المتاح في الاقتصاد.
وفي ظل الآثار السلبية للخيارات أعلاه، أين يكمن الحل؟ في الواقع، هناك حلان متاحان أمام صانعي القرار؛ أولهما مطلوب من البرلمان، وهو فتح قانون الدين العام وإدارته لسنة 2001 للنقاش والتعديل، والعمل مباشرة على تفعيل المادتين 22 و23 وإلغاء المادة 24 من القانون. أما الخيار الآخر فهو تنشيط القطاع الخاص المحلي والأجنبي ونقل عبء التنمية إليهما. وبغير ذلك، فإن تفاقم الدين الحكومي له عواقب حقيقية كبيرة وسلبية طويلة الأجل يدفع ثمنها الاقتصاد والناس.