وراء الفاصلة
جفرا نيوز - كتب نادر رنتيسي
لا تظنّ في أيّام الخسوف الكثيرة، أنّكَ كنتَ في يوم ما نسياً منسياً. افتح الصحيفة أو طالع نشرة الأخبار، لتعرف أنّ لك حصة في الإنفاق العام، ونصيباً من إجمالي الناتج المحلي، حتى في الدين العام لك حصة كبيرة، أكبر من قطعة اللحم التي تخصّ الأمّ فيها الأب. لا تدقق كثيراً في الأرقام المتفاوتة، المهمّ أن لك نصيباً رغم غيابك عن الطاولة المستديرة، وحسابك محسوب في المؤتمر السنويّ، كأنه تركة شرعية. إذاً في كلّ رقم أو نسبة أنتَ موجود وراء الفاصلة.
لا تكن حسّاساً، وتتوهّم أنّ سيرتك مقطوعة، وذكرها محدود. لا تعتقد أنّكَ مغيّب قسرياً، لا تكن أيضاً شكّاكاً. أنت حاضر حتى في غيابك، فمنذ ولادتك وتقييد اسمك في السجلاّت، صار لك رقم متداول في كلّ العمليات الحسابية التي تجريها الدولة، وإن تمّ شراء القمح، الأميركي أو الروسيّ، فإن الكمية لن تحدّد قبل معرفة ما تستهلكه أنتَ من خبز عربي أو إفرنجي. أنتَ في البال، صدّقني، حتى حين يتمّ حساب حبّات الأرز التي تُستهلك في شهر رمضان، أو ذرّات السكّر التي تذوب في العيد.
حين تشاهد الجوّ مغبراً ومعكراً، تذكّر أن لك حصة مقيّدة في منظمة الصحة العالمية، ألم تقرأ مرة أن تسعة من عشرة أشخاص يتنفسون هواء ملوثاً، إذاً فأنت إما أنت تكون واحداً من التسعة أو تكون العاشر النقيّ، وهذا مستبعد. وأنت وارد في كلّ الحسابات والنسب التي تخصّ ارتفاع أعداد مرضى السرطان، والإصابة المبكرة بالسكّري، حتى في معدلات الإصابة بالصرع، فإنّ رقمك يدخل المعادلات الحسابية قبل الفاصلة أو بعدها. لا تقلق على ذكرك، لن يغيب إلا في حصتك الضائعة من النفط.
أظنّ أنك الآن، بعد كلّ هذه الشواهد والأرقام والنسب، لستَ محتاجاً لتأكيدات أخرى بأنّكَ تدخل في كلّ العمليات الحسابية في الدولة وخارجها، حتى لو ساورك الشكّ بأن رقمك قد خفت تداوله، لا تقلق، فهناك مراكز دراسات وأبحاث "فاضية” وبالها رائق، مستعدة أن تحسب كم مرة بُثت أغنية "انت عمري” على الإذاعة منذ الستينيات حتى الآن، وكم نصيبك "القومي” من عدد مرات الاستماع. أتظنّ أني أستظرف، خذ هذه، حتى الأهداف التي يسجلها المنتخب الوطني، تتم قسمتها على الشعب، ولك فيها هدف ملغ بداعي التسلل.
البسْ أحسن ما في خزانتك، وضع عطراً فرنسياً، ولا تهمل لحيتك، إما أن ترتبها أو تحلقها. ربّما تحتاج أسنانك للتبييض، فابتسامتك ستكون ملحوظة، وقد يتمّ التدقيق فيها. حذاؤك أيضاً من الضروريّ أن يكون لامعاً، وإن كان من الشامواه، ابذل جهداً مضاعفاً بتنظيفه. اخرج من بيتك حذراً هذا المساء، فأناقتك قد يفسدها الهواء العكر، ولا تسرف بالمشي، فتحرق سرعات حرارية تؤثر على توازنك. أنتَ الآن لائق، بكامل قيافتك، ابق هكذا، لا تفتعل أي حركة غير مبررة، فبعد قليل سيقرأ المذيعُ النشرةَ، ويذكر فيها حصة الفرد من الكهرباء.