الانتخابات الفلسطينية ووهم الحُرية..!
جفرا نيوز - كتب علاء الدين أبو زينة
من المفارقات الكثيرة في القضية الفلسطينية أن يطلب «المجتمع الدولي» والولايات المتحدة من الفلسطينيين إجراء انتخابات وطنية. فهذه المطالب دائماً ما تخص الدول التي لها مؤسسات ويتوفر لشعوبها وصول كامل، متحقق أو ممكن، إلى صناديق الاقتراع. وإذا كانت هذه الأطراف تطالب الفلسطينيين المحاصرين بشيء، فالأولى بها أن تفي أولاً بالمطلوب منها وفي متناولها، سواء لجهة تطبيق القانون الدولي، أو الوفاء بالمعايير والقيَم التي تزعم اختراعها والدفاع عنها.
في النهاية، لا ينبغي أن يهُم الفلسطينيين –في الحالة المثالية- ما يعتقد به الآخرون أو يُطالبون به إذا كان لا يخدم قضيتهم الوطنية. فالفلسطينيين كلهم إما تحت الاحتلال أو في المنفى، ولذلك ليسوا مطالبين بأي شيء –أخلاقياً ولا قانونياً- أمام جهات لا تتعامل بالأخلاق ولا بالقانون. وينبغي الاعتراف بأن «الاستقلال» في الضفة ووجود «سلطة» و «حكومة» وبقية المظاهر تتجنّى على مفهوم الحرية والدولة، وتنتمي عمليا إلى منطقة الوهم المطلق والهازم للذات الفلسطينية.
الانتخابات التي صدر مرسوم بشأن إقامتها في وقت لاحق عن الرئاسة الفلسطينية لا تعدو كونها محاولة للإبقاء على الوضع الراهن، وكأن هذا «الراهن» شيء كبير تحقق بشق الأنفس على طريق حرية الفلسطينيين. إنها محاولة لاسترضاء أميركا بايدِن، علّه يعيد العبث التام الذي خالط القصة الفلسطينية منذ «أوسلو» 1993. ومثل ما يحدث مع أي نظام متشبث بالسلطة في دولة حقيقية في العالم الثالث، سيعيد «النظام» الفلسطيني «شرعنة» نفسه في عملية يفترض أن نتيجتها مقررة سلفاً. وسوف يستخدم لضمان عدم استبداله أيّ أدوات يتيحها موقعه في الحكم، والاعتماد على أن القوى المؤثرة لا تريد استبداله، وأولها العدو الصهيوني نفسه.
كانت النية واضحة في إعلان رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، في حوار مع «التلفزيون العربي» أن الرئيس محمود عباس هو مرشح حركة «فتح»، في انتخابات الرئاسية المقبلة. و «فتح»، كما هو معلوم جيداً، لا تحبّ المنافسة، ولا النية للاعتراف بفوز أي فصيل فلسطيني آخر بالقيادة والمناصب. كما أن من العجيب حقاً إعادة ترشح رئيس خدم في منصب القيادة أكثر من أربعة أضعاف فترته القانونية، وأصبح الآن بعمر 85، وكانت حصيلة رئاسته كسباً صافياً للعدو وخسارة صافية للفلسطينيين. وقد ترأس على انقسام الفلسطينيين في الداخل، وإهمال الذين في الخارج، وتغطية الاستيطان في الضفة، وخدمة أمنِ العدو، وإحباط المقاومة والتيئيس منها، وفساد المؤسسات وإثراء متنفذي السلطة، وتراجع فرص القضية الفلسطينية أبعد من أي مربع أول.
يتساءل الملايين من الفلسطينيين في الشتات عن معنى انتخابات ليس لهم فيها قول، مع أنّ حصيلتها سوفَ تخول أشخاصا بالتحدث والتقرير نيابة عنهم. وتعني إعادة الانتخابات التالية نفس الأشخاص والعقلية استمرار نهج التخلي عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودةِ كورقة اعتماد أساسية قدمت بها «السلطة» نفسها كممثل يمكن قبوله والتفاوض معه. وينبغي أن يكون استبعاد أكثر من نصف الفلسطينيين من المشاركة في الانتخابات سبباً لعدم شرعيتها باعتبارها فاقدة الشمولية وصدق التمثيل.
وإذا تصورنا الاحتمال المستحيل، فوز رئيس وأغلبية تشريعية على أساس برنامج مقاومة وتحرير وشمول لكافة الفلسطينيين، فأيّ فرصة ستكون لهؤلاء؟ هل سيُسمح للرئيس وأعضاء المجالس الجديدة، من الضفة وغزة والشتات، بالعمل في العلن والاجتماع بأمن والتداول بسرية وحرية؟ هل ستتاح لهم حرية تبني المقاومة، حتى الشعبية والسلمية، وأي تكتيكات وأدوات ضرورية لإحداث ثقل موازِن يمكن توظيفه في الصراع لتحسين الشروط الفلسطينية؟
الإجابات محسومة. سوف يُلقى بأي انتخابات تعِدُ بتقدم في موقف الفلسطينيين، أو تنطوي على أي إمكانيات لإعادة تعريفهم كشعب يناضل من أجل قضية عادلة بالطريقة التي يراها مناسبة، في القُمامة. ولن يشير أي تفكير منطقي غير تبريري، يسترشد بعنوان التحرر الفلسطيني والعودة والحقوق العادلة مطلقا إلى انتخابات تجريها «السلطة» بكيفياتها واحتمالاتها المخططة والمتوقعة، والمفصلة على مقاس رغبات أعداء الفلسطينيين المعروفين.
بعد فشل تجربة «السلطة»، بما فيها مظهر الانتخابات الزائف، يجب إدراك أن الفلسطينيين ليسوا دولة، ولا تخضع حركتهم التحررية لآليات وشروط الدول الحرة. ويجدر بهم عقد انتخابات مختلفة تماماً، داخلية، متحررة من تأثير وشروط أي آخرين. ولا يجب أن تكون انتخاباتهم جماهيرية لتعذر شروط الحرية والشمولية. وسيكون إجراؤها في أي أطر ضيقة –وإنما تمثيلية وببرامج يرضى عنها كل الفلسطينيين – كافيا لجعلها «ديمقراطية» و «شعبية».