أثر تراجع أرباح البنوك على التمويل
جفرا نيوز - كتب د.عدلي قندح
تراجعت أرباح البنوك بشكل كبير وملموس خلال 2020، مع استثناءات لعدد محدود جداً من البنوك التي حققت ارتفاعا ملحوظا في ارباحها لأسباب مفسرة. وجاءت نتائج البنوك متأثرة بالتداعيات الاقتصادية السلبية التي فرضتها جائحة كورونا وتباطؤ حركة التجارة العالمية وانخفاض أسعار الفوائد والعمولات. وكانت نتائج البنوك للارباع الثلاثة الأولى أظهرت تراجعا بأكثر من 68 %. ونتيجة لذلك ساد قلق بين عموم شرائح المجتمع وخاصة القطاعات الاقتصادية، وطرحت تساؤلات مفادها: ما هو تأثير الأرباح على حجم السيولة في البنوك والاقتصاد؟ وهل لتراجع الأرباح في البنوك تأثير مباشر على قدرة البنوك في منح الائتمان وتقديم القروض والتمويل للاقتصاد؟
في الواقع، أن العامل الأساسي الذي يؤثر على قدرة البنوك في توفير التمويل للاقتصاد بكافة قطاعاته هو توفر السيولة لديها. وما يؤثر على السيولة بالمقام الأول هو نمو الودائع بمختلف أشكالها لأنها المكون الرئيسي للسيولة في الاقتصاد. وما يؤثر على الودائع هو حجم النشاط الاقتصادي وحجم التحويلات والمساعدات وإيرادات الصادرات، والأهم من ذلك هو منح الائتمان من البنوك وغيرها من المؤسسات المالية، فكل قرض أو تمويل جديد هو وديعة جديدة تصب في مكونات السيولة. ما يدعو للاطمئنان أن التسهيلات الائتمانية قد نمت بنسبة 6.7 % خلال الاشهر الاحد عشر الأولى من العام 2020. ولكن هذا النمو في الائتمان لم ينعكس في نمو الودائع بسبب أن نسبة كبيرة من السيولة ظهرت على شكل نقد متداول بأيدي عامة الناس نتيجة سحبهم لجزء من أموال ودائعهم والاحتفاظ به في بيوتهم للانفاق على حاجاتهم في وقت الإغلاقات خلال العام 2020.
أما عن آلية تأثير أرباح البنوك على السيولة فتكون كما يلي: عندما تعلن البنوك أرباحها يتم تحويل حوالي 38 % منها الى الخزينة وهي نسبة الضريبة المفروضة على البنوك، ويتم توزيع نسبة منها على المساهمين والجزء المتبقي يتم إعادة تدويره واستثماره في البنوك لتغطية مختلف أشكال النفقات الرأسمالية في البنوك. فما يتم دفعه على شكل ضريبة يصل الى البنوك عن طريق الرواتب والأجور التي تدفعها الحكومة لموظفي القطاع العام، وما يتم توزيعه على المساهمين يتحول جزء منه للخارج للمساهمين غير الأردنيين والجزء الذي يحول للمساهمين المحليين يذهب جزء منه الى الودائع في البنوك ويدخل في السيولة. بهذا الفهم وضمن آلية الانتقال هذه تتأثر قدرات البنوك على توفير التمويل بتراجع أرباحها السنوية. ولكن نظرا لانخفاض الاهمية النسبية لحجم الودائع المتأتية من أرباح البنوك الى اجمالي الودائع فان تأثير تراجع الأرباح على قدرة البنوك في توفير التمويل للاقتصاد يكون منخفضا. وما يدعم هذه النظرية هو نمو الودائع في البنوك بنسبة 3 % في الأشهر الأحد عشر الأولى من العام 2020، ويعكس الانخفاض في نمو الودائع حالة التراجع في النشاط الاقتصادي العام. ولكن إذا استمرت التداعيات السلبية للجائحة بالتأثير على الاقتصاد والقطاعات الاقتصادية فانها ستنعكس بشكل سلبي أكثر على ربحية البنوك وعلى قدرتها على توفير التمويل للاقتصاد.
في مثل هذه الظروف الصعبة والإغلاقات الطويلة لقطاعات واسعة من الاقتصاد تصبح أولوية للبنوك هي المحافظة على قاعدة رأسمالية متينة ورصد مخصصات وتغطية الديون لحماية محفظة التسهيلات. ولكن التساؤلات التي تطرح نفسها هي: الى متى ستبقى البنوك قادرة على تلبية هذه الأولوية؟! وإذا ما طالت التأثيرات السلبية للجائحة هل ستبقى البنوك قادرة على توفير التمويل، وما هي بدائل التمويل الأخرى المتاحة لمختلف القطاعات الاقتصادية؟