مفاضلة أحد الأبناء على الآخر.. مشاعر قاسية لا يدرك الآباء خطورتها
جفرا نيوز - لا يغيب عن ذاكرة الشاب محمد خليل (اسم مستعار) مراحل من طفولته حينما كان والداه يميزان بينه وبين توأمه محمود؛ إذ كان يلاحظ اهتمامهما وحبهما الواضح لأخيه، سواء بالمعاملة أو بكلمات الإطراء والتقدير والتشجيع، لأنه أكثر ذكاء منه، بينما كان الانتقاد من نصيب محمد، لأن معظم الشكاوى في المدرسة تتجه صوبه، والمدح والجوائز فقط لشقيقه محمود.
يقول محمد "والداي يفخران دوما بأخي محمود، فهو المميز في البيت، وكانت مشاعري بالفعل تعكس ما أفكر به؛ إذ إنني في فترة المراهقة كنت أتعمد افتعال المشاكل، وأحرص على أن يعرف بها أبي وأمي أو أحدهما، وكأني أريد "استفزازهما” كردة فعل لأفعالهما”.
لا يحب محمد ما وصل إليه، وهذه المشاعر التي تنتابه وتسبب بها والداه، كما يقول، ورغم ذلك إلا أنه أكثر قربا وسؤالا واهتماما بوالديه، حينما كبرا بالسن، على عكس شقيقه الذي نال كل الدلال والحب، فهو منشغل بعمله وحياته الشخصية ويفضلهما على أي شيء آخر.
ويصف محمد "هناك جرح كبير في داخلي؛ إذ كنت طفلا بحاجة للحب والحنان بالطريقة ذاتها التي أعطيت لشقيقي محمود، لكن للأسف.. التمييز من قبل والديّ جعل الود ومشاعر الأخوة الحقيقية تتلاشى بيننا”.
لا يدرك الآباء، في كثير من الأحيان، خطورة التمييز بين الأبناء، وأن تلك المشاعر السلبية قد يحملها الأبناء العمر برمته، وقد يتلاشى الود بين الأشقاء بسبب أفعال لا يعرف الأهل خطورتها على نفسيتهم وطريقة تعاطيهم مع الأشياء.
خبراء التربية يؤكدون أن تمييز الأهل لأحد أبنائهم ينبغي السيطرة عليه، وعدم إظهار هذه المشاعر، للحفاظ على الصحة النفسية للأبناء وعلى استقرار العائلة.
ويؤكد التربوي د.محمد أبوالسعود أنه وعند شعور أحد الوالدين بانحيازه لأحد الأبناء في مشاعره ينبغي عدم إظهار هذا الشيء؛ إذ إن الأبناء يشعرون ويحملونه في أنفسهم ويؤثر عليهم وعلى علاقتهم كأسرة، وفي مراحل نموهم.
ويؤكد أبوالسعود أن هنالك عوامل كثيرة تجعل أحد الأولاد مميزين لدى الأبوين كلحظة الولادة، على سبيل المثال، ما تأثيرها على الأهالي، هل كانت ولادة صعبة؟، هل تغيرت حياتهم بعدها؟، هل عانى الطفل بعد الولادة من مشكلة صحية ما؟، وهذا يجعل الوالدين مرتبطين بتلك العوامل بشكل كبير خوفا من فقدانه، أو هل جاء هذا الطفل تعويضا عن طفل قبله تم فقدانه؟، فمشاعر الوالدين تكون مختلفة. ويتابع أبوالسعود "بعض الأهالي يقلدون والديهم، على سبيل المثال، بالميل للذكور على الإناث، أو العكس، أو أن الوالدين كانا يفضلان الابن الكبير أو الصغير فيعاودان الكرة بالمشاعر ذاتها بالتمييز”.
ويؤكد أحيانا أن الأم والأب يميلان للابن الذي يشبههما بالطباع، والسلوك والشكل، وبالتالي يقومان بتمييزه عن إخوته وأخواته.
اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة، يؤكد أن على الأهالي أن يحذروا من الانحياز لأحد الأبناء، وإذا كان من الصعب التحكم في مشاعر الشخص، فيجب التحكم في السلوك تجاه الأبناء، فالأهل مطلوب منهم عدم إظهار الانحياز إلى "الطفل المفضل”، والاهتمام بأدق التفاصيل لكي لا يشعر أي من الأبناء الآخرين بأنه لا يحظى بالقدر ذاته من العناية.
ويوضح مطارنة، على سبيل المثال، الأهل إن اشتروا شيئا يجب أن يكون بالجمال ذاته والقيمة نفسها وإن لم يكن كذلك فعلى الأهل شرح ذلك بطريقة حقيقية، وليس من باب التفضيل.
ويتابع "عند تقديم الطعام فينبغي الاهتمام بأن تحتوي الأطباق على ذات الطعام، كذلك عند إعطاء السكاكر والحلويات، لكي لا يشعر الطفل بالتمييز حتى بالتفاصيل الصغيرة.
ويؤكد مطارنة أن الأطفال يشعرون بعدم الاهتمام، وتتملكهم المشاعر السلبية إذا شعروا بسلوك منحاز تجاه أحد الأشقاء، لذلك يجب على الأهالي أن يحذروا من الانسياق وراء العواطف، وأن يعاملوا الأبناء على قدر المساواة حتى لا تتعكر الأجواء داخل العائلة.
ويؤكد مطارنة أهمية القيام بنشاطات مختلفة مع الأبناء؛ إذ تشكل فرصة جيدة جدا للأم والأب ليكتفشا كيفية تفكير أطفالهما ويشعرا أنهما يتشاركون الحب والاهتمام معا، ولا أحد مميز عن الآخر.
ويتفق أبو السعود ومطارنة على أنه في حال لم يستطع أحد الأبوين السيطرة على مشاعره، فيتوجب على الآخر أن يشرح الأمر وأن يقوم هو بمعالجته، وعدم الخروج عن النطاق الطبيعي للتربية المتساوية مع الجميع.