الترمبية بعد رحيل ترمب
جفرا نيوز - كتب عارف عادل مرشد
تشير (الترمبية- Trumpism) إلى نمط ممارسة الحكم الذي انتهجه الرئيس الأميركي دونالد ترمب( 2016-2020) والمتمثل في صخب التغير والتحول والاستقرار والمعارك المتواصلة مع رؤساء دول حليفة للولايات المتحدة في أوروبا وأميركا، ثم مع الصين. بحيث عدت (الترمبية) أحد تجليات الشعبوية المستندة إلى القومية الضيقة، والنزعة الاستعلائية، والتقليل من شأن الأفكار والمؤسسات، وتعظيم دور القائد أو الزعيم الملهم القادر على تحدي العراقيل التي تحول دون تغيير أميركا إلى الأفضل. وهي في جوهرها تٌعد تحولاً ذا طابع اجتماعي- سياسي عملت على نقل المجتمع الأميركي من س?ال الدولة إلى طور سؤال الأمة. ومع وصول رئيس جديد إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني 2021، يبرز سؤال عما إذا كانت (الترمبية) سوف تستمر بعد ترمب، أم أنها ارتبطت به وسوف تتراجع بعد رحيله من السلطة؟
اعتقد أن الإجابة على هذا السؤال هي أن (الترمبية) سوف تستمر بعد ترمب، وذلك يعود إلى مجموعة من العوامل يمكن إيجازها في النقاط الآتية:
1- أن (الترمبية) جاءت كردة فعل على السياسات النيوليبرالية وآثارها السلبية في الطبقة العاملة الأميركية، تلك السياسات التي تضمنت تحرير الأسواق، والخصخصة، والتدفق الحر لرأس المال المالي، وتقليص المزايا المالية والاجتماعية، وخفض الإنفاق العام على السلع العامة، وما أدت إليه هذه السياسات مجتمعة من نقل مراكز إنتاج الشركات متعددة الجنسيات إلى أماكن تضمن عوائد عالية على استثماراتها. فهذه السياسات النيوليبرالية جعلت قطاعات كبيرة من الطبقة العاملة غير ضرورية، الأمر الذي أدى إلى أن تسوء حياتهم وقدرتهم على كسب الدخل عل? نحو كبير. ولعل هذا ما يفسر تصويت الأقليات التي تنتمي للطبقة الوسطى بنسب مرتفعة إلى حد ما لمصلحة ترمب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، على الرغم من كل الحملات الإعلامية التي صورت ترمب على أنه عنصري يدعو إلى تفوق العرق الأبيض. ففي فلوريدا مثلاً صوت 35% من الناخبين اللاتينيين لصالح ترمب مقابل 28% في عام 2016.
2- إن الظاهرة (الترمبية) والتي يمكن اختصارها في خطاب الشعبوية–بما يعبر عنه هذا الخطاب من كره الملونين والسود، والأقليات من قبل الأميركان البيض الواسب-(WASP) والذي أصبح يعبر عن نفسه في شكل مليشيات، وزيادة عالية في اقتناء المواطنين للسلاح، وفي ازدياد حوادث رجال الشرطة ضد السود- مرشحة لتتحول إلى تيار داخل الولايات المتحدة، قد يخبو قليلاً خلال فترة حكم جوزيف بايدن، خصوصاً إذا تبنى خطاباً توحيدياً يجمع الأميركيين، لكنه سرعان ما سيعبر عن نفسه بصورة أكبر خلال السنوات التالية، خصوصاً إذا استمر التراجع في مؤشرات ال?قتصاد، باستمرار جائحة كورونا وتطاول الإغلاق، أو نتيجة فشل سياسات إدارة بايدن في إنعاشه، ومما يعزز من صحة هذا الطرح، أن ترمب حصل على ثاني أكبر عدد من إجمالي الناخبين، يحصل عليه مرشح في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية بعد جوزيف بايدن (71 مليون صوت لترمب مقابل 75 مليون لبايدن)، أي ما نسبته 46% من مجموع الناخبين الأميركيين، وبزيادة عشرة ملايين صوت عن انتخابات عام 2016.
3- إن (الترمبية) تجسيد لتحول نوعي يمس جوهر التجربة الليبرالية الغربية في أهم ساحاتها الدولية، فهي ليست حالة استثنائية أو حدثاً عارضاً في المجتمع الأميركي، فهي تعبير موضوعي عن الواقع الجديد للأنظمة الديمقراطية، بما يشهده هذا الواقع من أزمات متتالية منذ عشرين عاماً مضت، تلك الأزمات تبدو في مستويين أساسيين: الأول، تراجع الوسائط التمثيلية المختلفة للمواطن في الحقل السياسي، وبصفة خاصة الأحزاب العريقة التي كانت تعكس الخريطة الاجتماعية الطبقية، وتؤدي دور الحاضن للنقاش العام، فمن الصعب الحفاظ على فكرة التمثيل السي?سي لأطياف التعددية الاجتماعية والفكرية، في غياب تشكيلات حزبية منظمة ومؤثرة. والمستوى الثاني، انحسار نظام تمايز وتوازن السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية، القضائية) الذي هو الإبداع الأساسي للفكر الليبرالي الحديث، وخط التحصين النهائي للنظام الديمقراطي. وقد حدث هذا الانحسار نتيجة تضخم دور المؤسسات والنظم الإقليمية والدولية في المجالات الحيوية، كالتنمية الاقتصادية، والتعليم، من ناحية، وتزايد دور الخبير والتقني في القرار التنفيذي على حساب المشرع من ناحية أخرى، بما يحول الموضوع السياسي إلى ممارسة صناعية فنية ل? مجال فيها للجدل الفكري العميق، أو النقاش المجتمعي.
ستطوي الولايات المتحدة رئاسة ترمب، لكن (الترمبية) سوف تبقى لسنوات قوة مجتمعية ثقافية سياسية بما تخلقه من انقسام سياسي واحتقان اجتماعي، الأمر الذي يٌعد أول وأهم تحد يواجه الرئيس الجديد جوزيف بايدن، حتى لا يجد نفسه يحكم في ( جمهورية دونالد ترمب).