المدارس الخاصّة... قضيّة

جفرا نيوز- كتبت: م. رهف منذر الصوراني


لَطالما كانت المدارسُ الخاصّة محطّ جدلِ الكثير، وفي كلّ مرّة تهاجَم تتوسّع الفجوة بينها وبين قاعدتها الجماهيريّة التي لم تتمكّن من الانفصال عنها رَغما عن الانتقاد المستمر سواء كان ذلك لأسباب ماليّة او أكاديميّة، ومع ذلك استمر عطاؤها دون كللٍ أو مللٍ. فكثُرت في الآونة الأخيرة الحملات التشهيريّة بقطاعٍ تعليميّ خاصّ استطاع تجاوز كافّة المعوّقات رغم ما تبقى من نَفَسِها فأصبح المدافعُ عنها متّهمًا، أو مساهمًا فيها أو أنّه غافل عن الحقيقة ، ما الحقيقة؟!

 

علّ لسان الحال يتكلّم ليُفصح عن الحقيقة التي وَددنا أن تؤخذَ مجرّدة من المشاعر فلتكن الآراء محايدة. قبل أن أكون ابنة لمالك إحدى المدارس فأنا أم لثلاثة أطفال ولدي معاناة مع التعليم عن بعد ما يكفي نظرًا لأعمارهم التي لا تتجاوز الخمس سنوات. عندما بدأت جائحة كورونا اعترانا الخوف من إغلاق مدارس المملكة،  فبادرت جميعها بلا استثناء التحرّك إيجابا نحو الواقع والتحضير لأي مجهول أن فرض عليها، فمنهم من بدأ مباشرة في منصّات التعلم عن بعد ومنهم من جاهد باستخدام تطبيقات أخرى وكل حسب مقدرته الماليّة وأُشير هنا الى أن المدارس الخاصّة لا توضع في ميزان واحد . فقد واجهت جميع المدارس الحالة الاستثنائيّة التي تعرّضت لها المملكة وفي هذه الأثناء كانت المدارس الخاصّة سبّاقة عن غيرها في التّعامل مع الأزمة .

إنّ إدارات المدارس الخاصّة وكوادرها لم يتوانَوا  للحظة في استكمال العمليّة التعليميّة رَغما عن الصّعوبات وأهمّها توفّر تلك القدرة لدى كوادرها للتعامل مع نفس الأزمة حرصاً منهم على العملية التعليمية وعلى وظائفهم، رغم ان بعضهم  لا يمتلكون مهارات التّعامل مع التّكنولوجيا ولا الجميع منهم يمتلك أجهزة تمكّنهم من  تقديم الحصص المدرسيّة بطريقة مهنيّة -إلّا أنّهم حاولوا- فرُفعت القبّعة لكلّ معلّم ومعلّمة الّذين لم يتخاذلوا أمام مهمّة تتحدّى قدراتهم.

 

في خِضِمّ الأزمة كانت إدارات المدارس الخاصّة متخوّفة من تردّد بعض أولياء الأمور بتسديد الرّسوم المدرسيّة فنحن من يفهم تلك المعاناة عكس المُنَظّرّين عن بعد ، فمنذ إعلان قرار الحظر انتظرت المدارس الخاصة قرارات واضحة تضمن حقوقها إلا أنها أصبحت في مأزق ماليّ (خاسرة) فبرزت مشكلة التفاوض بين أولياء الأمور وإدارات المدارس الخاصّة على عدد الحصص وعدد دقائق الحصّة وآلية إعطاء الدّرس وأصبح الجميع  صغيرًا او كبيرًا يشرف على عمل المعلّم/المعلّمة حتى ضاقت بهم الأمور إلا أنها استمرت في الحرص على مستقبل الطّلبة بغضّ النّظر عن الضّغوطات الّتي تعرضوا لها. لقد استغلّ البعض قرارت الحكومة فأصبح التفاوض على ما تبقّى من الرّسوم المدرسيّة كأنها سلعة مستهلكة مقلّلين من شأن التّعليم وجهود المعلّمات والمعلّمين والتزامات المدارس الخاصّة تجاه الجهات الأخرى فانتهى العام والديون تراكمت .

 

بدأ العام الدّراسيّ الحالي في غموض لا يمكن وصفه ، وأصبح التّنافس والتّناقض أسلوب غير أخلاقي ، فتسابقت العديد من المدارس الخاصّة على إهداء خصومات عشوائيّة لأنها كانت في صراع بين معايشة الواقع –استمرار أو لا استمرار -  تناثرت الأقاويل هنا وهناك عن اتّفاق ما بين وزارة التربية والتعليم والمدارس الخاصّة على فتحها لأسبوعين في بداية العام الدراسيّ ثم إغلاقها . لسانُ الحال يقول لو أن الحكومة اعتبرت المدارس الخاصّة شريكا استراتيجيًّا ورديفًا حقيقيًّا  لأجبنا بنعم . إلا أنّ المدارس الخاصّّة لم تعد تحصي القرارات المتعدّدة التي من شأنها تجاوز القطاع التعليمي الخاص الذي يشهد له بتخريج متعلّمين مثقّفين باحثين. فالضريبة والضمان والترخيص جزء من التضييقات التي تتعرّض لها المدارس الخاصّة ، إلا أنها التزمت بالفتح وانعكس ذلك إيجابا على التعليم عن بعد .

 كافّة أولياء الأمور التزموا بموجب عقود رسميّة على تسديد الرّسوم المدرسيّة، هنا وجب علينا أن نجزمَ بأنه لم يتم خداع أي وليّ أمر من قبل إدارات المدارس الخاصّة ، لكنّه خالف العقود الرسميّة الموقّعة معه، كان عليه من المفروض قبل التسجيل أن يُقيّم الوضع بقناعة وهو على علم بظروف جائحة كورونا .  فالتّعاقد يُلزِم وليّ الأمر إذ أنّه على علمٍ بتفاصيل الالتزامات الماليّة المترتّبّة عليه . فكيف أصبح الآن يُطالب بخصومات إضافيّة والتزامات المدارس الماليّة بقيت على حالها ؟ أين العدالة؟ 
المدارس فئات حتّى الكبرى منها صرفت مبالغ طائلة لتأهيل شبكاتها الالكترونيّة فالمنصات ليست مجانيّة ولا اشتراكات الانترنت ولا الأجهزة الالكترونية ولا التمديدات عدا عن تكاليف الأدوات والوسائل التدريبيّة والتنشيطيّة والتحفيزيّة للمعلّمين ليتمكّنوا من تقديم أفضل الدروس الافتراضيّة وغيرها الكثير . فلا يأت قائل لا يعي الحقيقة ويتّهم المدارس بتوفير المصاريف والنفقات ليأتي آخر ويقول : إذًا أغلقوا .
صدّقني الإغلاق غنيمة في هكذا حال إلا أنّ المدارس الخاصّة وإن تغوّلت كما تقول فهي لا تقطع بأرزاق كوادرها بتلك السّهولة إلا إن خُيّرت ما بين الاستمرار أو الإفلاس ، لتزيد همّ الدّولة في البِطالة - علمًا أنّها ليست مسؤوليّة القطاع الخاصّ- فتأتي مؤسّسة حكوميّة حقّي كمواطن ان تحميني في ظروف سادها العجز الاقتصادي أن تفرض عليّ إعطاء خصومات أخرى لولي الأمر غير آبهين بأي خصم آخر أُعطي سابقًا . فبتنا فعليّا مدارس خاصّة برسمِ الخَصم .

الآن ونحن على أبواب الفصل الثّاني وما زلنا ننتظر تحصيل رسوم الفصل الأوّل والذي لن تحمينا أي مؤسّسة حكوميّة لنتمكن من تحصيلها ، فالجواب إنّ تعاملك مع ولي الأمر فأنت ملتزم بتقديم خدمة التعليم برسم التحصيل وإن استطعت التّحصيل والحل مصاريف إضافيّة لقضايا ومحاكم .

تمنّينا أن يتمّ شكر جهود المدارس الخاصّة والتي التزمت بإعداد طلبتها والمعايير الصحيّة المطلوبة للتعامل مع أزمة كورونا رغم أننا غير واثقين بفتح المدارس للتعليم الوجاهيّ أصلًا . ففوجئنا بآخر قرار يطالبنا بتعيين مراقب صحيّ على حسابنا تحت تهديد الإغلاق إن لم نلتزم . والأدهى أنّ من يقابل هذا المراقب هي وزارة العمل والأجمل أن يدخل غريبا على مدارسنا والتي إن قرّرنا تعيين أحدٍ فيها يمرّ الموظّف في سلسلة مقابلات حتى يتمّ الموافقة عليه ، كما وأنّ مصيرنا بيد موظّف رعانا الله من سهوة نفَسٍ قد تتسبّب في إغلاق مدارسنا . علمًا أنّ ذلك لا يشمل المدارس الحكوميّة على علمنا وثقتنا التّامة بالتزامها العالي بالمعايير الصحيّة  والتي تفوق قُدُرات المدارس الخاصّة لا بل إنّ اعداد الطلبة في المدارس الحكوميّة ربع المدارس الخاصّة فليس لديها أي اكتظاظ يُذكر على مرّ السنين . فبالله عليكم كفى تهتيرا وتقويضا فحان الوقت لأن نحظى على التقدير لا التكبيل فنحن مؤسّسات تعيّن كوادر عددها تقريبا 55000 من سكّان الأردن ما بين معلّمين وإداريّين وهي نسبة لا يُستهان بها . بل وحسب الإحصائيّات فإن المدارس الخاصة توفر على خزينة الدولة مبالغ مهولة فهي تستقطب تقريبا 600000 طالبًا وطالبة لو لم تستقطبهم المدارس الخاصة فعلى وزارة التربية أن تنشىء تقريبا 3000 مدرسة  بكامل تجهيزاتها إضافة لكلفها التشغيليّة السنويّة والّذي يتطلبُ أكثر من مليارٍ ونصف دينار أردنيّ .

إذًا هكذا قطاع هو بحاجة للدّعم لا للتّعقيدات والمحسوبيّات والإجراءات وازدواجيّة قرارات ليس لها إلا ان تغرس نفورًا لدى المستثمرين وأصحاب الأعمال باستمرار بقطاع بات يحتضر سمعة وتحصيلًا . فرفقًا بنا فنحن أبناء هذا الوطن الغالي ونعمل لمصلحة الجميع وليس لمصالح شخصيّة علمًا أنّ المدارس الخاصّة هي نفعيّة خدماتية بالأساس وليست خيرية فطبيعي لها أن تطالب بحقوقها الدستوريّة والماليّة .