حلم هزيمة الوباء يشرع في التحقق..!
جفرا نيوز- كتب علاء الدين ابو زينة
خلال عام الوباء، اختبر الناس أكبر مجموعة من الخبرات الجديدة غير السعيدة في فترة قصيرة نسبياً. شاهدنا إغلاق العالم كله وخلو شوارعه، كما يحدث فقط في قصص الخيال العلمي الأكثر جموحاً. ورأينا البشرية كلها تحت التهديد أمام عدو لا تملك معه دفاعاً ولا حيلة. وعانينا من كثرة المرض والموت، والحظر والحجر، والانفصال، والضائقة، وافتقاد الحريات من كل نوع.
في بدايات الوباء، كنا نتحدث عن اكتشاف علاج أو لقاح لـ»كوفيد19» كحلم بعيد وخلاص ربما يتأخر قدومه لسنوات مليئة بالخسارة والفقدان. ثم، عندما بدأت الإعلانات عن التجارب على اللقاحات، قُدِّر أن الاختبارات ربما تستغرق معظم 2021 بعد 2020. وجرى تسريع للإجراءات واختصارات للمراحل، وظهرت إعلانات مشجعة عن النتائج. وحتى عندئذٍ، تصوّرنا نحن، في البلدان قليلة المال، أننا سنكون في آخر طابور طويل من مواطني الدول الأقوى والأغنى. وكانت التقديرات أن اللقاح قد يصلنا في منتصف العام الجديد أو ربما في الربيع – أو حتى الصيف.
كان الخيار الوحيد هو التعايش مع الواقع الصعب والانتظار، والعثور على التوازن بين الإغلاقات وفتح القطاعات لحفظ الحياة والخبز ما أمكن. وقبل فترة وجيزة، دخلنا في الأردن مرحلة خطيرة جداً، حيث الإصابات اليومية بالآلاف والإمكانيات الطبية تحت خطر الإغراق. ومع ذلك، ظلت المطالبات برفع القيود عالية، بما عنى عملياً المغامرة بفقدان السيطرة، من أجل أن يتمكن الناس من كسب العيش. وتحدث البعض عن «مناعة القطيع»، معتقدين خطأ بإمكانية تحقيق المناعة الطبيعية عن طريق إصابة 70 – 80 % على الأقل بالفيروس بحيث يكتسبون مناعة طبيعية. وكان ذلك يعني، من دون وجود لقاح ناجع – مجزرة جماعية.
الآن، في لقطة أخرى مشرقة من سياق غرائبي، وصلت اللقاحات التي كانت بعيدة المنال إلينا فعلياً، وبدأت حملة التطعيم الوطنية بلا تأخير. بل وكنا من بين أول 40 إلى 50 دولة شرعت في تحصين مواطنيها ضد الوباء. وحسب الفرضيات العلمية، سوف يكتسب المزيد من الأردنيين الذين يتلقون المطعوم المناعة، ويتمكنون من التحرك بحرية أكبر وبقدر معقول من الثقة، بلا خوفٍ من الإصابة أو نقل العدوى. ومع المتعافين من المرض الذين اكتسبوا مناعة طبيعية، ستتكون بالتدريج «المناعة المجتمعية» اللازمة بحيث يمكن فتح القطاعات تماماً وإطلاق الاقتصاد، وسنستطيع التواصل مع العالم الذي لن يرغب في التواصل مع بلد يكون بؤرة للعدوى والانتشار.
لدى تذكُّر الخوف واليأس اللذين سادا في فترات التفشي الكبير عندنا وتداعياته الموجعة، كان من المبرر توقُّع أن يسارع الناس بمئات الآلاف، بل الملايين، إلى التسجيل وحجز دور على منصة إعطاء المطعوم. لكنّنا نصادف الكثيرين من المترددين في أخذ المطعوم- ربما أكثر من المتوقع. ومن الأسباب الممكنة أن الكثيرين تعايشوا مع الوضع الحالي بحيث لم يعودوا يشعرون بالضغط، خاصة مع الانخفاض النسبي لأعداد الإصابات والوفيات. وقد يريد البعض الانتظار لرؤية ما سيحدث للذين يأخذون اللقاح قبلهم. ويتعزز تردد البعض بنظريات المؤامرة التي تشكك في اللقاح، سواء من حيث فعاليته أو من حيث تصديق أنه وسيلة لزرع شرائح ذكية في جسم الإنسان تجعله عَبداً لقوى مجهولة، أو قابلاً للموت مباشرة لدى رش مواد في الهواء، مثل قنبلة موقوتة نائمة. بل أن البعض يؤكدون بإيمان وجود إرادة دولية لإبادة عدد كبير من سكان العالم لتخفيف الضغط على موارد الكوكب
بعض أصحاب نظريات المؤامرة يصعب التحاور معهم لأنهم متطرفون في الدفاع عن فكرتهم. لكن المعتدلين والعِلميين يجب أن يحاولوا تقليل الأضرار والتعويض بأخذ المطعوم بمجرد إتاحته. فالأوضاع العالمية للوباء ليست مطمئنة. وقد ظهرت سلالات من الفيروس، مثل B.1.1.7، وهي تنتشر حول العالم ووصلت إلينا، والتي يُعتقد أن قابليتها للانتقال تزيد بحوالي 50 إلى 70 بالمائة من السلالات السابقة. والمزيد من الطفرات مترشحة للظهور. ولذلك نحن لسنا في مأمن على الإطلاق، ولا يجب تكرار الاطمئنان الخادع الذي دفعنا ثمنه غالياً عندما كانت الحالات لدينا منخفضة. والآن، مع الفتح المتسارع للقطاعات وتخلي البعض عن الحذر، والطفرات الحتمية التي قد تعيدنا إلى نقطة الصفر، ليس من المفهوم تبديد حلم اللقاح البعيد الذي تحقق بمعجزة إذا أردنا مواكبة العالم وتعظيم الفرصة. ذلك غير منطقي، ولا عملي، على الأقل.