العام 2020 كان بمثابة جرعة معززة ضد الغطرسة البشرية
جفرا نيوز- كان عام الوباء، 2020، بمثابة رد قاسٍ آخر على الاعتقاد بأن بالوسع دفع القوى الغاشمة إلى هوامش التجربة الإنسانية -وإخراجها منها في نهاية المطاف. وعندما تتراجع جائحة اليوم، فإن ما ينبغي أن يبقى هو تقديرٌ سرّعه الحدَث لهشاشة الحياة والترتيبات الاجتماعية، وإدراكٌ لحقيقة أن أشياء أسوأ بكثير من "كوفيد – 19” قد حدثت من قبل، وسوف تستمر في الحدوث. إن قصة الإنسان لا تدور بالكامل حول الخيارات البشرية.
في العامين 1918 إلى 1919، تسببت "الانفلونزا الإسبانية”، التي بدأت في كانساس، في مقتل ما بين 50 مليونا و100 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وهو ما أدى إلى خفض متوسط العمر المتوقع في الولايات المتحدة بمقدار 12 عامًا، ولم يدخّر الشباب، كما يفعل فيروس كورونا إلى حد كبير. وكان "الموت الأسود” -الطاعون الدُّبلي- من العام 1346 إلى 1353، أسوأ بكثير؛ حيث قتل 10 في المائة من سكان العالم، وأكثر من ثلث سكان أوروبا، بما في ذلك 40 ألفًا من سكان لندن البالغ عددهم آنذاك 70 ألفًا.
في الثمانينيات، كان "الإيدز” مروعًا للغاية، لأنه دحض الاعتقاد الراسخ بأن أوبئة الأمراض المعدية قُضي عليها إلى الأبد. وفي العام 2019، أصيب 1.7 مليون شخص بفيروس "الإيدز”، وتوفي 690 ألف شخص من المصابين به مسبقاً. ولكن، من بين 38 مليونًا يعيشون مع الفيروس، كان 25.4 مليونًا يسيطرون عليه بالأدوية المضادة للفيروسات.
الآن، أصبحت الولايات المتحدة مستقطبة سياسياً أكثر من أي وقت مضى. وتسأل كيت وودسوم، من صحيفة "الواشنطن بوست” الخبراء عن دوافع الطائفية السياسية -وما يمكننا فعله حيال ذلك.
قلل علم الفلك من تقدير الإنسان لذاته (نحن لسنا مركز الكون)، ثم فعل مثل ذلك علم الأحياء (جنسنا ليس له نسب قابل للتمييز). والجيولوجيا، أيضًا، أقلقت إحساسنا بالسيطرة. ويطلب منا سفر التكوين "إخضاع” الأرض، لكن هذه البقايا التي تبرد ببطء للـ”انفجار العظيم” لها صوت. فبينما تتحرك قاراتها -نصف بوصة إلى أربع بوصات في العام، وفقًا لتكتونية الصفائح- فإننا نسمع أحيانًا صوت الجزء الداخلي للكوكب المكون من الغاز المغلي والصخور المنصهرة.
كانت الانفجارات البركانية في ما يُعرف الآن بـ”متنزه يلوستون الوطني” قد غطت قبل حوالي 630 ألف عام نصف ما يُعرف الآن بالولايات المتحدة القارية. وعندما اندلع بركان كراكاتوا الإندونيسي في العام 1883، تم الشعور بأعاصير البحر الناجمة عنه، التي قتلت معظم ضحايا الانفجار البالغ عددهم 36.000 ضحية، في منطقة القنال الإنجليزي. ومع ذلك، كان كراكاتو يعادل عُشر قوة ثوران بركان جبل تامبورا الإندونيسي في نيسان (أبريل) 1815، الذي قتل 10 آلاف شخص على الفور -حيث تدفق الرماد المتوهج بسرعة 100 ميل في الساعة- وولد رياحاً اقتلعت الأشجار. وأدى حجب المادة الجسيمية لأشعة الشمس إلى تبريد الأرض: تجمدت المياه في بعض الخزانات الأرضية الأميركية في 4 تموز (يوليو). واليوم، تعيش الغالبية العظمى من ثُمن سكان الدولة، الذين يقطنون في كاليفورنيا، بالقرب من صدع سان أندرياس، والسؤال ليس إذا، وإنما متى تهتز المنطقة وتترنح بشكل كارثي.
يستطيع قمر صناعي أميركي موضوع في مدار بين الأرض والشمس أن يوفر تحذيرًا قبل 45 دقيقة إذا كانت الشمس على وشك أن تُغرق الكوكب في الظلام. في 2 أيلول (سبتمبر) 1859، قبل ظهور المصابيح الكهربائية، أدى طرد كتلة إكليلية لمائة مليون طن من الجسيمات المشحونة التي ألقيت من الشمس إلى حدوث غروب شمس مذهل. وإذا -في الحقيقة، عندما- يحدث ذلك مرة أخرى، فإنه يستطيع أن يوقع الفوضى في عالمنا المكهرب والمرقمن بالكامل من خلال التيارات الكهربائية المستحثة: لن تكون هناك أقمار صناعية عاملة، ولا اتصالات هاتفية، ولا مضخات مياه، ولا معاملات مالية، ولا مستشفيات. ولن يكون هناك "نيتفليكس” -لا بد أن يكون هذا قد شد انتباهك.
في 13 آذار (مارس) 1989، أطفأت عاصفة شمسية من الكتل الإكليلية الأضواء في مقاطعة كيبيك الكندية بأكملها. ويقول أحد علماء الفلك في وكالة "ناسا” إن العلماء لاحظوا، قبل ثلاثة أيام من ذلك، "انفجارًا قويًا على سطح الشمس. في غضون دقائق، أطلقت القوى المغناطيسية المتشابكة على الشمس سحابة من الغاز تزن مليار طن. وكان ذلك بمثل طاقة آلاف القنابل النووية التي تنفجر في الوقت نفسه. واندفعت سحابة العاصفة من الشمس مباشرة نحو الأرض بسرعة مليون ميل في الساعة”. وضربت هذه العاصفة الجيومغناطيسية الأرض مساء يوم 12 آذار (مارس)، وصنعت "تيارات كهربائية في باطن الأرض تحت معظم أميركا الشمالية”، ما أدى إلى انهيار شبكة الكهرباء في كيبيك.
هناك أولئك الذين يؤمنون بإله مطلق الخير لأن "الأرض” كما يرونها "محبة للأحياء” -بمعنى صديقة للحياة. ومع ذلك، عليهم أن يضعوا في حساباتهم -ليس الأشياء غير الصديقة للحياة (النمور ذات الأسنان الحادة، والبراكين، والأعاصير، والفيروسات، وما إلى ذلك) فحسب، وإنما أيضًا حقيقة أن هذا (بمعنى: كل شيء) لن ينتهي إلى خير. إما أن الكون سيستمر في التوسع، وينتهي ببرد مطفِئ للحياة، أو أنه سيذهب إلى حرارة حارقة.
في الأثناء، إليكم بعض الأخبار الجيدة (نوعًا ما) من مجلة "الإيكونوميست”. في أكثر القرون دموية في التاريخ، القرن الماضي، مات 100 مليون إلى 200 مليون شخص نتيجة للحروب. وقتلت الحصبة عدداً في النطاق نفسه، والانفلونزا عدداً بالقرب من الجزء العلوي من النطاق. ومع ذلك، قتل الجدري 300 مليون إلى 500 مليون إنسان. ويقف القضاء على الجدري، من خلال حملات التطعيم المنسقة عالميًا، ليكون "أحد أكبر الانتصارات الإنسانية على الإطلاق”. لا يمكن للاختيارات البشرية أن تقهر كل القوى الغاشمة التي ستظل كامنة في هذا العالم على الدوام. ومع ذلك، يمكن للاختيارات أن تُحدث فرقًا. يمكنها تكريمنا، كنوع حي مفكر، ومتكيف.