قانون الاستثمار ام الإستحمار .. مشروع تعديل القانون وواقع المناطق التنموية
جفرا نيوز - كتبت رانيا عثمان النمر
بداية لست أول من استخدم مصطلح الأستحمار في وصف حالة سياسية أو إجتماعية، فقد اقتبسته من كتاب المفكر الأيراني علي شريعتي "النباهة والأستحمار"
يرى شريعتي أن عمليات تعطيل الوعي أو تبديل الأولويات والإنحراف بالعقل، كلها عوامل لتسخير الإنسان وقيادته مثل تسخير الحمار.
ويشير الى نطقة في غاية الأهمية أنه ليس بالضرورة أن يكون الأستحمار بالأشياء القبيحة بل ممكن أن يكون مغلفا بما هو حسن وجيد ليسهل الإستحمار في الأتجاه المطلوب. ويقول تماما كمن يدعو الى الصلاة والتضرع الى الله في مسجد يحترق ويعتبر من لا يلبي نداء الصلاة خائنا، ويعتبر أن الأنشغال بإطفاء الحريق أولا هو انحراف عن الاولويات.
تماما هذا هو التوصيف الاستدلالي لمشروع تعديل قانون الأستثمار الجديد
أن المتصفح السطحي لتعديل قانون الأستثمار والحوافز بما يخص الملف الصناعي والمناطق التنموية سيكون من الصعب عليه رصد الخلل الكامن في التعديل ومآلاته على واقع تشجيع الصناعة خاصة في المناطق التنموية موضوع المقال.
جاء مبدأ أطلاق المناطق التنموية بمبادرة ملكية باكورتها منطقة الملك حسين بن طلال عام 2006 في المفرق، ثم تم اطلاق سلسلتين تنمويتين عام 2007 في محافظتي أربد ومعان من أجل معالجة مشكلتي الفقر والبطالة وغيرها من الأهداف الرائدة، والمفصلة في مدونة المبادرات الملكية "والتراث الملكي" من أصدارات الديوان الملكي( صفحة 153) وبناء عليه منحت المناطق التنموية مزايا تشمل إعفاءات ضريبية وجمركية محفزة وداعمة للإستثمار الصناعي الداخلي والخارجي، وبالفعل أنشئت مصانع اردنية وعربية وصينية واروربية حتى عام 2014.
من هنا بدأ الخلل في الرأس التشريعي وهو هيئة الأستثمار عام 2014 عندما سمحت الهيئة للمدن الصناعية والمناطق الحرة الأستفادة من قانون المناطق التنموية والأستفادة من المزايا والإعفاءات الجمركية والضريبية وهذا لا يصح شكلا وموضوعا، لأن مسوغات انشاء المدن الصناعية والمناطق الحرة ومشروعيتها ومظلتها القانونية، مختلفة تماما عن المناطق التنموية، فهي منشئات كبرى وتهدف الى الربح وتنافس عالميا، وقريبة من الخدمات وشبكة الطرق، وهي ليست ذات بعد تنموي مجتمعي، أما المناطق التنموية فهي مشاريع صناعية متوسطة وصغيرة وبعيدة عن المدن الرئيسية الثلاثة (المفرق واربد ومعان) وتهدف لتشغيل أردنيين من أجل تخفيف مستويات الفقر والبطالة، وتشجيعهم على الإستقرار في محافظاتهم دفعا باتجاه دوران العجلة التنموية، من خلال زيادة القوة الشرائية وإنشاء ورشات حرفية مساندة للمناطق التنموية مثل اعمال الحدادة أو الخراطة أو الميكانيك ...الخ
ثانيا ان تضمين الفئتين أعلاه تحت لواء قانون المناطق التنموية رقم 30/2014 أدى وبصورة مباشرة الى انتهاز واستغلال قانون الأعفاءات الجمركية والضريبية ومزايا المناطق التنموية لصالح المدن الصناعية والمناطق الحرة من قبل الحيتان، والذي أفرز قضايا فساد مالي وتهرب ضريبي، وتهريب بضائع مثل قضية الدخان المعروفة بقصة مطيع وأعوانه مع الإشارة بأن مستثمري المناطق التنموية أوراقهم سليمة ولم تثبت بحقهم أي مخالفات وأي تهرب ضريبي.
ثالثا أن هذا الضم افقد المصانع المتوسطة والصغيرة القدرة على المنافسة وافقدهم الميزة النسبية، أقلها بسبب ارتفاع كلفة أجور نقل البضائع والعمال من وإلى المناطق التنموية البعيدة عن مركز المحافظة، بينما لا تتحمل المدن الصناعية الكبرى والمناطق الحرة هذه التكلفة لقربها من الخدمات، وتمتعها ببنية تحتية أفضل بالإضافة لاستفادتها من بند الإعفاء الجمركي على الروافع الشوكية والحافلات التابعة للمناطق الحرة والمدن الصناعية وابقاء الضريبة الجمركية على مستثمري المناطق التنموية، مما أدى الى إغلاقات لمصانع أردنية وهجرة مستثمرين عرب وأجانب من المناطق التنموية.
ففي منطقة المفرق التنموية ألغيت خمسة عقود مع مستثمرين اردنيين وعراقيين ومصريين، وتم أغلاق مصنعين لمستثمرين سعودي وعراقي، فمن أصل حوالي 54 مصنع هناك 16 مصنع فاعل والباقي متعثر أو مغلق أو ترك الأستثمار في الأردن وفضل الاستثمار في مصر أو تركيا.
بالعودة لنظرية الأستحمار و"مثال الحريق والصلاة" اكتشفت الحكومة التهرب الضريبي، وتهريب بضائع وفساد مالي بمئات الملايين، نتيجة لممارسات الحيتان من بعض الصناعيين الكبار ممن استغلوا ثغرات القانون المستحمر وغياب الرقابة عليه عام 2014لصالح ميزات واعفاءات جمركية وضريبة المدن الصناعية والمناطق الحرة، على حساب المناطق التنموية ومصانعها المتوسطة والصغيرة، فقررت حكومة "النهضة" زيادة الطين بلة عبر حزمة جديدة من تعديل القوانين عام 2019 بفرض ضريبة جديدة مقدارها 5% على صادرات المناطق التنموية والحرة والصناعية بعدما كانت صفر % كأحد حوافز الأستثمار.
فبدلا من ان تتعاطى الحكومات جذريا مع ملف الأستثمار ومعضلاته ومشاكله وتصويب اختلالاته التشغيلية والروتينية المتراكمة، والمتمثلة في ارتفاع سعر متر الأرض سواء للاستملاك او الإيجار بقيمة 20 الى 25 دينار، وارتفاع رسوم التسجيل لأول مرة في هيئة الأستثمار(1800 دينار) ورسوم رخصة المهن السنوية، بالإضافة لعدم وجود سعر تفضيلي للكهرباء الصناعية تم فرض ما يسمى "ساعات ذروة" تتضاعف بها التعرفة من 10 قروش للكيلوواط الى دينارين ونصف للكيلوواط. كما ويستلم المستثمر الأردني والأجنبي الأرض المخصصة لبناء المصانع دون أي خدمات أو بنية تحتية من كهرباء وشبكة صرف صحي وعليه أن يتكبد نفقات إنشائها أو تطويرها كما و يقوم المستثمر بدفع تكاليف عزل الهناجر والمستودعات، كما يقوم بعناء الحصول على جميع الموافقات لترخيص الأرض من وزاره البيئة،الدفاع المدني، وزارة الأشغال، وجميع الدوائر لاستكمال الموافقات.
جاءت حكومة "الأزدهار" بمشروع تعديل القانون الجديد( مرفق ) عام 2020 لتتويج النهج القديم والقضاء على الأستثمار وبحجة مكافحة التهرب الضريبي، وبسبب عجزهم الإداري وتسترهم على شركائهم الحيتان، وقصور إرادتهم عن كف يد الكبار والمتنفذين والخارجين عن القانون، تم التغول على الأرادة الملكية ومبادرته بإنشاء المناطق التنموية ثم سحق مستثمري وأصحاب المصانع في هذه المناطق من خلال:
أولا: الغاء كافة الأعفاءات الجمركية والضريبية سواء على مدخلات الأنتاج أو الأجهزة والمعدات والأثاث والرافعات والمركبات والحافلات.
ثانيا: الغاء الأعفاءات الضريبية على المباني والمستودعات.
ثالثا: ألغاء المزايا والحوافز الأستثمارية خاصة على ضريبة الدخل.
رابعا: الأبقاء على كافة الرسوم و ضريبة الخدمات وفرض ضرائب جديدة مثل ضريبة الصادرات.
خامسا: الغاء مدة العشر سنوات وهي المدة الزمنية القانونية للاستفادة من المزايا وبأثر رجعي.
سادسا: استبدال المرجعية القانونية للاستثمار " بتشكيل لجنة " للبت بالمنح والمنع، للفتح والإغلاق، بالأخذ والرد، والعقد والربط، غير خاضعة لمعايير واضحة لا بشخوصها ولا بقراراتها والتي من شأنها تكريس الأحتكار وحماية "الأرث الصناعي" والأبقاء عليه داخل عائلات، معينة محاباة الكبار وحرق الناشئين والصغار من الصناعيين، عبر أطلاق يد اللجنة في الصلاحيات ومزاجية أفراد وشخصنة القرارات دون وجود آلية شفافة للمحاسبة والعقاب.
ودامت نظرية ...
الصحفية رانيا النمر