لماذا كان 2020 رابع أفضل عام في التاريخ ؟

جفرا نيوز - تتمتع مجلة "ذا سبيكتيتور” بتاريخ طويل وفخور من بثّ روح التفاؤلية القائمة على الحقائق، والتي يتم تقديمها أحيانًا في مقالة تُنشر في نهاية العام، وتشرح كيف تثبت الإحصائيات أن العام المنقضي كان أفضل عام على الإطلاق، حتى لو لم أنكَ لم تخرج بمثل هذا الانطباع من متابعتك الأخبار.

حسنًا، ليس العام 2020 مرشحًا جيدًا لمثل هذا المقال. لقد كان "أسوأ عام على الإطلاق”، وفقًا لقصة غلاف مجلة "تايم”. وكلُّنا نتقاسم هذا الشعور إلى حد ما. سوف نتذكر العام 2020 باعتباره عام المرض والموت، وعمليات الحظر والإغلاقات التي باعدت بين الأصدقاء والأقارب، وفصلت الشركات عن العملاء، ما تسبب في كساد كبير -من النوع الاقتصادي والسريري على حد سواء.

لكننا إذا أخذناه حرفيًا باعتباره -أسوأ عام على الإطلاق- فسوف يكون هذا من نوع من العبارات الإطلاقية التي لا يمكن تفسيرها إلا من خلال ذاكرة قصيرة إلى حد مذهل. منذ أوائل القرن العشرين فقط (ولا تنس أن كلمة "دائمًا” تشير إلى ما هو أطول من ذلك) شهدنا حربين عالميتين، والكساد الكبير، والمحرقة النازية، والكولاغ، وقفزة ماو العظيمة.

وحتى لو قصرنا انتباهنا على مسألة الأوبئة، فإن الإنفلونزا الآسيوية 1957-1958، وإنفلونزا هونغ كونغ في العام 1968 قتلتا عددًا مماثلاً من الناس عندما كان عدد سكان العالم أقل بكثير. ولو كان "كوفيد- 19” مميتًا مثل الإنفلونزا الإسبانية، التي ضربت العالم قبل قرن واحد فقط، لما كنا سنتوقع 1.7 مليون وفاة في جميع أنحاء العالم كما هو الحال الآن، وإنما عدداً في مكان ما بين 200 و400 مليون. وكانت أعمار معظم هؤلاء الضحايا ستتراوح بين 15 و35 عامًا.

بطبيعة الحال، لا شيء من هذا يمنحنا السلوى عندما نواجه فيروسًا مميتًا جديدًا، ونضطر إلى التجنب والتباعد، ونعاني من إغلاق غير مسبوق أدى إلى تعطيل الرحلات الجوية، ودمر الشركات، ودفع الملايين من الناس إلى البطالة.

ما مقدار ما تم تدميره، وما مقدار ما تم إنقاذه من خلال براعة الإنسان ومرونته الفائقة في تنظيم المشاريع في ظل أصعب الظروف التي يمكن تخيلها؟ هل من العدل الحديث عن العام 2020 باعتباره من أسوأ الأعوام في الذاكرة الحديثة؟

لم تتجمع البيانات كافة بعد، لكن بوسعنا اللجوء إلى التوقعات والسيناريوهات للتوصل إلى إجابة مؤقتة. من المحتمل أن يكون الاقتصاد العالمي قد انهار بنسبة تصل إلى 4.2 في المائة في العام 2020، ولذلك، سوف ينتهي المطاف بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بالقيمة الحقيقية، ليكون أقل بقليل مما كان عليه في العام 2017، ولكنه سيكون أعلى مما كان عليه في العام 2016. وللوصول إلى أعلى نصيب للفرد من الناتج المحلي الإجمالي يحققه البشر على الإطلاق، يجب أن تنتظر حتى العام 2022.
بطبيعة الحال، سيكون لركود من هذا النوع تأثير مدمر على سبل عيش الناس. ووفقًا للسيناريو الأساسي للبنك الدولي، فقد أُلقي بحوالي 88 مليون شخص في براثن الفقر المدقع بسبب الوباء. وإذا كان هذا هو واقع الحال، فإن معدل الفقر العالمي هو الآن 9.1 في المائة. وهذا سيئ بما يكفي، ولكنه في الواقع يعيدنا فقط إلى معدل الفقر في العام 2017 -والذي كان بدوره نصف ما كان عليه قبل عقد من الزمان، وثلث ما كان عليه في مطلع الألفية. وإذا ما انتعش النمو العالمي، فإننا ينبغي أن نعود إلى أدنى معدل للفقر في التاريخ في العام 2023 على الأقل.

مع فقدان الناس وظائفهم ودخولهم، سيجوع الكثير منهم حتماً. وتشير توقعات منظمة الأغذية والزراعة إلى زيادة في العدد العالمي لمن يعانون من نقص التغذية المزمن، ليرتفع من 8.9 إلى حوالي 9.9 في المائة. وهذه حصيلة رهيبة، لكنها تظل تمثل انخفاضًا بمقدار الربع عن العام 2000.

لحسن الحظ، نادرًا ما يصيب فيروس كورونا المستجد الأطفال. ومع ذلك، فإن الآثار غير المباشرة لفقدان دخل الأسرة، وتوتر خدمات الرعاية الصحية، والتغطية الأقل للتطعيم ضد الأمراض الشائعة، ستلحق خسائر فادحة بالصغار أيضًا.

وفقًا لتقدير نُشر في مجلة "لانسيت” العلمية في وقت سابق من هذا العام، يمكن أن يؤدي الوباء إلى نحو 447.200 وفاة إضافية في الصغار دون سن الخامسة على مدى ستة أشهر. ويعتمد مدى تحقُّق هذا التوقُّع على سيناريو الاضطرابات الرئيسية في أنظمة الرعاية الصحية. وبما أن الصورة قد اتضحت قليلاً منذ ذلك الحين في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، فمن شبه المؤكد أن هذا كان تقديراً مبالغاً فيه.

ولكن، حتى لو ثبت أن هذا السيناريو صحيح، فقد شهدت ثلاثة أعوام فقط انخفاضًا في معدل وفيات الأطفال مقارنة بهذا العام -الأعوام الثلاثة الماضية. وحتى لو تبين أن توقعات "لانسيت” صحيحة، فإن العام 2020 ككل سيظل يشهد 1.3 مليون وفاة أطفال أقل من العام 2010، وسبعة ملايين أقل من العام 1990، على الرغم من زيادة عدد سكان العالم منذ تلك التواريخ.

لقد تدهورت السياسة بالتأكيد في العام 2020، لأن المستبدين لا يضيّعون فرصة استغلال أزمة جيدة، لكن معظمهم الآن في وضع أضعف مما يُفترض في كثير من الأحيان، لأن الوعد بالشيء أسهل من الوفاء به، وبالتالي يكون الوصول إلى السلطة أسهل من البقاء فيها. ويؤمّل أن يواجه الديكتاتوريون في العام 2021 وقتاً أكثر صعوبة حيث سيساعدنا اللقاح على عبور المنعطف ويشرع الناس في المطالبة بفتح المجتمعات مرة أخرى.

تشكل استجابتنا العلمية والتكنولوجية السريعة لـ”كوفيد- 19″ أهم سبب للإيمان بالمستقبل. وليس التفاؤل اعتقادًا بأن المشاكل والكوارث لا تحدث (كنت قد ختمت الفصل المتعلق بالصحة في كتابي "التقدم” الصادر في العام 2016 بتحذير من أنه "في مرحلة ما، من المحتمل أن يتحول فيروس ما إلى شكل مميت بما يفكي لإلحاق خسائر فادحة بالجنس البشري”). إن التفاؤل، بدلاً من ذلك، هو الاعتقاد بأن نمو المعرفة والقدرة التكنولوجية يعطينا أدوات مثيرة للإعجاب بشكل متزايد للتعامل مع المشكلات والكوارث التي لا بد لنا من مواجهتها.

وقد رأينا دليلاً على ذلك في العام 2020. فقد استغرق الأمر من البشر 3000 عام لتطوير لقاح ضد شلل الأطفال والجدري، بينما صممت شركة "موديرنا” لقاحًا ضد "كوفيد- 19” في مجرد يومين.

لو أننا واجهنا هذا الفيروس المستجد في العام 2005، لما كنا نمتلك التكنولوجيا التي تتيح لنا حتى مجرد تخيُّل لقاحات مرسال الحمض النووي الريبوزي هذه. ولو أنه ظهر في العام 1975 لما كانت لدينا القدرة على قراءة جينوم الفيروس. ولو أنه جاء في العام 1950، لما كان لدينا حتى جهاز تنفس اصطناعي واحد على سطح هذا الكوكب. ولو كنا قد عانينا من هذا الوباء قبل الإنترنت، لكان اقتصادنا قد انهار تمامًا، وكذلك علاقاتنا الاجتماعية.

قد لا يكون العام 2020 أفضل عام على الإطلاق، لكنه بالتأكيد، كما قال توني مورلي، "أفضل عام للنجاة من وباء”.

باختصار، كان يمكن أن يكون هذا المرض أسوأ لو أنه ضربنا في أي حقبة أخرى، وكان التقدم في العقود القليلة الماضية سريعًا للغاية، والإبداع البشري تحت الضغط مثيراً للإعجاب جداً، بحيث لا تدفعنا، حتى الانتكاسات الكبرى، إلى الوراء لأكثر من بضع سنوات فقط. ثمة ثلاثة أعوام فقط في التاريخ كانت أفضل من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومستوى الفقر المدقع، ووفيات الأطفال -2017 و2018 و2019.

*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why 2020 was the fourth best year in history

يوهان نوربيرغ* – (ذا سبيكتيتور) 27/12/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة