التغريبة الفلسطينية.. حكاية العنقاء التي قامت منتصرة
جفرا نيوز- بقلم: زيد ابو زيد
يتنافر القطب السالب مع نظيره السالب، وكذلك يفعل القطب الموجب، أمَا أن تتغلب الكف العارية على رأس المخرز المدبب المعد للثقب وإحداث الأذى فذلك عجب عجاب، ولكن عجبي قد زال وأنا أرى كفَ المقاوم الفلسطيني في رام الله وغزة والقدس ونابلس والخليل وطولكرم وقلقيلية تواجه طعنة المخرز الصهيوني مرة وهي تضم قبضتيها تلوح بها في وجه ذلك الغاصب الصهيوني وتصرخ في وجهه " أخرج من أرضي فهذه بلادنا" ومرة أخرى وهي تلطم وجه الجندي الصهيوني المدجج بالسلاح، ومرة تحمل الحجر في وجه الدبابة المعتدية ومرة أخرى والأسير الفلسطيني يتحدى سجانه بشموخ، ومرة وروح المقاومة تضحك في وجه صواريخ الاحتلال التي تحملها طائرات العدوان لأن روح المقاومة في الجسد الفلسطيني آمنت بربها وقضيتها.
وهنا فالكف تقف في وجه المخرز وعندها فان النقيض الضعيف يمكن أن يهزم النقيض القوي ، وأن الكف العارية تفل حديدة المخرز ، فأي قلب لك يا مقاوم ذلك الذي تجاوز الخوف ، وأيُ إرادة تلك التي تحملها بين جنبيك لينطبق عليك القول : إن أجدادك قوم جبارين فليعلمن إذن كيف يكون الرجال رجالاً والنساء من أحفاد خولة بنت الأزور نساء ، عَلمي أولئك المتخاذلين النائمين على الحرير والمقيمين في القصور، والانتهازيين الجبناء كيف تكون الأوطان أمانة في الأعناق، وكيف يكون التخاذل سبَة في وجوههم وعاراً يحملونه على أكتافهم ، علميهم يا أيتها الروح المقاومة كيف يصبح القلب بركانًا متفجراً ، وكيف يكون حجرك وقبضتك رعباً للمحتل الذي انتهك براءة الطفولة وعز الرجولة في هذا الزمان الذي طلبنا فيه السلام ولكن العدو قابله بالفجور الاخلاقي والاعتداء الآثم.
علميهم يا أيتها الروح المتوقدة ما لم يتعلموه في المدارس والجامعات، وفي آداب المجالس والمجتمعات، علميهم فنحن بحاجة لكثير من علمك الفطري، وخبرتك الطويلة . لأن أرضاً تنجب المقاومين جديرة بأن تكون من جند فلسطين، جند الأقصى والقيامة، وسليلة عمر الفاروق والناصر صلاح الدين، وإن شعبًا ينجب أمثال المقاومين الذين نراهم كل يوم في أرض فلسطين المباركة لا بد منصورٌ منصورْ، وليحكم المحتل الغاصب قاتل الأطفال وغاصب الأرض على كل مقاوم كما يريد، فكف المقاوم الفلسطيني قوية قاسية كقسوة حجاره الأقصى ، وهي قادرة على هزيمة كل مخارز أولئك القتلة مغتصبي الأوطان وهادمي البيوت ، وإن للظالم جولة ولكنها لا تدوم ، فالمقاوم في فلسطين كالعنقاء خرجت من رماد النار وانطلقت محلقه في سماء الحرية معلنه عن فجر الانتصار على غطرسة الجيش الإسرائيلي ومؤكدة جملاً طالما رددناها على أن هذه القطعان المدججة بالأسلحة جبانه حتى أمام طفله او طفل فلسطيني وان التغريبة الفلسطينية لم تنتهي فصولها بعد وان الورقة الاخيرة في جيب المقاوم لا في جيب المحتل.
لقد كانت الأيام بين الخامس عشر من أيار 1948، والخامس من حزيران 1967 حتى وعد الرئيس الامريكي المنتهية ولايته ترامب تلقي بظلالها علينا، ولكن العنقاء الفلسطينية كانت أيضاً حاضرة تسجل في سماء التاريخ شهاباً للأمل.
لقد تأرجح التاريخ هولاً من مصيبتي قرن واحد وقعت على شعب فلسطين والامة العربية كلها ، فقد ضاعت فيه البلاد وتشرد العباد، وحملت شواهد التاريخين بفارق السنين مأساة شعب وقضية أمه وارتحال وتشريد وتهويد، وحلم صغير يداعبه حلم العودة ليذكر بأن هناك في مكان ما وطن ينتظر، ولكن الأعوام تمر والاطفال غزا الشيب مفرقهم وبعضهم طواه النسيان والأحفاد باتوا اليوم اجداداً، والمهاجر تعددت من أقصى الارض الى أقصاها والحلم لازال يداعب البعض ، والبعض الآخر سحبته محيطات الحياه بموجها الغادر من بحر الى بحر والقضية توزعت دمائها بين القبائل والتوحد على النضال من أجل قضية أمة فرقته أفكار القطريات الضيقة ولكن رغم كل ذلك مازال الأمل حاضراً فمن كان من أبناء أمة عظيمة رفعت راياتها من أقصى شمال الارض الى غربها لا بد وان ينتصروا وان طال الزمان ، فتحية لكل من أضاء في عتمة الليل شمعه وتحية الى كل مقاوم.
صحيح انه وبعد مرور ما يقترب من سبعين عاماً على احتلال فلسطين، والحال هو الحال، والضياع نفس الضياع، والسفينة العربية من محيطها الى خليجها توشك على الغرق في بحر الحروب والفتن والجهل والتخلف والتطرف والارهاب والتجزئة. وصحيح ان الكيان الصهيوني يسرح ويمرح، ويهود ويهجر ويقتل دون رادع او وازع، ولكن الصحيح أيضاً ان السنديانة الفلسطينية عظيمة الجذع، غنيَة الأغصان، كثيفة الأوراق، وارفة الظلال، وأنها الفيصل في الصراع.