كيف تبدو الآثار الجانبية للقاحات “فيروس كورونا” ؟
جفرا نيوز - سيجعل لقاح "كوفيد 19” بعض الناس يشعرون بأنهم مرضى. لكنهم ليسوا كذلك -إنه الجهاز المناعي يقوم بعمله.
بالنسبة لجزء ضئيل من الناس، يمكن أن يكون أخذ هذه الجرعات الأولى من لقاحات "كوفيد 19” مزعجاً -أكثر من الانزعاج المعتاد الذي ينجم عن أخذ حقنة. إنها قد تجعلك تشعر بأنك مريض ليوم أو يومين، على الرغم من أنها لا تحتوي على فيروسات كاملة يمكن أن تصيبك بالمرض حقاً. وتمتاز لقاحات "فايزر/ بيونتيك” و”مودرينا” بأنها "تفاعلية” قائمة على رد الفعل، بمعنى أنها تحفز استجابة مناعية قوية من الجسم، والتي يمكن أن تسبب ألمًا مؤقتًا، وإنما غير مريح، في الذراع، أو بعض الحمى والقشعريرة والصداع. وبكلمات أخرى، قد يكون أخذ اللقاحات مزعجاً بعض الشيء، لكنه ليس بسوء وإزعاج الإصابة بـ”كوفيد 19″ نفسه.
يحدث رد الفعل التفاعلي بدرجة أو بأخرى لدى تلقي جميع اللقاحات، وهو لا يشكل في حد ذاته مصدراً للقلق بخصوص السلامة. فاللقاحات، بعد كل شيء، تعمل عن طريق خداع الجسم ليعتقد أنه مصاب، وهذه "الأعراض” هي مؤشر على نجاحها في ذلك. وعادة ما تكون الحمى، والشعور بالإجهاد، والعلامات الأخرى التي نربطها بالزكام أو الأنفلونزا -أو حتى بـ”كوفيد 19″ نفسه- ناجمة عن استجاباتنا المناعية، وليس عن الفيروس نفسه. ويقول سعد عمر، اختصاصي التطعيم ومدير معهد ييل للصحة العالمية: "إن اللقاح التفاعلي واللقاح غير الآمن ليسا الشيء نفسه”.
بالمقارنة مع اللقاحات الموجودة، فإن لقاحي "كوفيد 19” من "فايزر/ بيونتيك” و”موديرنا” هما أكثر "تفاعلية” بعض الشيء من لقاحات الإنفلونزا، ولكنهما يتطابقان فيها تقريباً مع لقاح الهربس النطاقي (الحزام الناري)، الذي يمكن أن يتداخل مع الحياة اليومية لبضعة أيام لدى بعض الأشخاص. (يبدو أيضًا أن لقاح "موديرنا” أكثر تفاعلية قليلاً من لقاح "فايزر”، ربما لأن جرعته أكبر). ولدى هذه اللقاحات ما يكفي من التأثير التفاعلي لدرجة أن مركز السيطرة على الأمراض يقترح على المستشفيات إعطاء المطاعيم للموظفين بالتعاقب وليس دفعة واحدة، بحيث لا تخرج وحدة كاملة من العمل في يوم معين. كما تشعر دور رعاية المسنين بالقلق من إعطاء المطعوم لجميع الموظفين والمقيمين في وقت واحد، مما قد يقلل من توافر الموظفين في الوقت الذي يحتاج فيه المقيمون إلى مزيد من الرعاية.
بينما تشرع الولايات المتحدة في تنفيذ أكبر حملة تطعيم وأكثرها تعقيدًا في التاريخ، يقول الخبراء أن مقدمي اللقاحات بحاجة إلى توضيح التوقعات للأشخاص الذين يتلقونها. فإذا تفاجأ الشخص الذي يتلقى اللقاح من تأثيراتها بشكل غير سار، فإنه قد لا يعود لأخذ الجرعة الثانية، أو أن تجربته قد تؤثر على أصدقائه وعائلته ضد اللقاح. وتتمحور إدارة التوقعات في نهاية المطاف حول التأكد من أن يكون الأميركيون مستعدين لأخذ اللقاح. وتقول ديبورا فولر، عالمة الأحياء الدقيقة وباحثة اللقاحات في جامعة واشنطن: "يجب أن يكون هناك قدر كبير من الشفافية بشأن ما ستختبره”.
يأتي الألم في الذراع، والحمى والصداع، كنتيجة للمناعة الفطرية، وهي الأولى من فرعين رئيسيين لجهاز المناعة. والمناعة الفطرية هي أداة غير حادة؛ إنها تريد محاربة أي شيء أجنبي ترصده في الجسم. وعندما يتلقى المرء لقاح "كوفيد 19″، فإن الخلايا الموجودة في ذراعه تأخذ "مرسال الحمض النووي الريبوزي” mRNA الذي يشفر نسخة من البروتين الشائك لفيروس كورونا. ويستخدم الفيروس هذا البروتين الشوكي كمفتاح للوصول إلى خلايانا، لكنه عندما يكون غير متصل ببقية الفيروس، فإن البروتين الشوكي لا يستطيع أن يصيب أي شيء. ومع ذلك، يتعرف الجهاز المناعي الفطري لدينا على مواد اللقاح والبروتين الشوكي الناتج على أنها أجسام غريبة.
تؤدي هذه الإشارة إلى رد فعل يمكن أن يشبه إلى حد كبير ما يحدث عند الإصابة بالمرض. ويتم تجنيد المزيد من الخلايا المناعية في الذراع الذي قد تجعله يلتهب ويؤلم، وتنشّط المزيد من الخلايا المناعية التي قد تسبب أعراضًا تصيب الجسم كله، مثل الحمى والإجهاد.
تنتمي بعض هذه الخلايا المناعية إلى الفرع الثاني من جهاز المناعة، المناعة التكيُّفية. وهذه الخلايا هي القتلة المستهدَفون لجهاز المناعة. وهي تشمل الخلايا البائية B cells، التي تصنع أجسامًا مضادة يمكنها الارتباط بالبروتين الشوكي، والخلايا التائيةT cells ، التي يمكنها التعرف على الخلايا المصابة. والمناعة التكيفية هي التي يحميك تحديدًا من "كوفيد 19”. وللوصول إلى هناك، تحتاج أولاً إلى جهاز المناعة الفطري للتعرف على البروتين الغريب وتشغيل جهاز المناعة التكيفي. وليس اللقاح التفاعلي لقاحًا أكثر فعالية بالضرورة، ولكنه علامة على أن الخطوة الأولى تعمل.
تتميز ردة الفعل التفاعلية أيضًا عن الحساسية المفرطة، وهي رد فعل تحسسي شديد حدث لدى حفنة من الأشخاص الذين تلقوا لقاح "فايزر/ بيونتيك” في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة. والحساسية المفرطة هي رد فعل مناعي أيضًا، لكنها تبدأ في غضون دقائق بعد التعرض، بانخفاض كبير في ضغط الدم وصعوبة في التنفس. وما يزال من غير الواضح ما هو الشيء في اللقاحات الذي أثار رد الفعل التحسسي، على الرغم من أن اللقاحات تحتوي على السكر كمانع للتجميد وأملاح للحصول على الحموضة المناسبة، بالإضافة إلى المكونات النشطة. ويوصي مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة بالمراقبة لمدة 30 دقيقة بعد إعطاء لقاح "كوفيد 19” لأي شخص لديه تاريخ من الحساسية المفرطة، و15 دقيقة لأي شخص آخر.
والحساسية المفرطة قابلة للعلاج تماماً باستخدام الأدرينالين (المعروف أيضًا باسم EpiPen)، ومضادات الهيستامين، وقد تعافى جميع متلقي اللقاح الذين عانوا منها. وتمتلك مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها وإدارة الغذاء والدواء شبكة لمراقبة الأحداث السلبية التي قد تأتي مع اللقاح، والتي ستفحص الحساسية المفرطة بالإضافة إلى الآثار الجانبية الخطيرة وطويلة المدى المحتملة الأخرى. وتختلف جميع هذه الآثار الجانبية تماماً عن ردة الفعل التفاعلية الطبيعية والشائعة، والتي يجب أن تستمر ليومين أو نحو ذلك فقط.
من المحتمل أن تكون تفاعلية لقاحات مرسال الحمض النووي الريبوزي لشركة "فايزر/ بيونتيك” وشركة "موديرنا” ناجمة إلى حد كبير عن فقاعة الدهون المستخدمة في تعبئة مرسال الحمض النووي. ويبدو أن هذه الفقاعات، التي تُسمى "الجسيمات النانوية الدهنية”، تحفز جهاز المناعة لدى الحيوانات حتى عندما تكون فارغة. في الماضي، كان صانعو اللقاحات يضيفون في بعض الأحيان مكونًا ثانيًا للقاح المعنيّ، يسمى "المادة المساعدة”، لتعزيز الاستجابة المناعية. وحدث أن الجسيمات النانوية الدهنية، المصممة في الأساس لحماية مرسال الحمض النووي وتهريبه إلى داخل الخلايا، عملت كعنصر مساعد أيضًا. وتقول فولر: "إنه مثل حزمة ‘ثلاثة في واحد’”.
تُعد الجسيمات النانوية الدهنية مجالًا نشطًا للابتكار في تصميم لقاحات مرسال الحمض النووي الريبوزي المستقبلية، والتي يشكل لقاحات "فايزر/ بيونتيك” و”موديرنا” روادها الأوائل. وقد أضفت جائحة "كوفيد 19” أخيرًا الصلاحية على سنوات من التوقعات حول آفاق هذه التقنية. وعندما تحدثت مع درو وايزمان، أحد الرواد في العمل على لقاحات مرسال الحمض النووي في جامعة بنسلفانيا، بعد وقت قصير من نتائج التجارب السريرية الأولى التي أثبتت مدى نجاح هذه اللقاحات، كان متفائلًا بشأن مستقبل اللقاحات التي تعمل بتقنية "المرسال”. ويمكن تطبيق هذه التقنية لتحسين اللقاحات الموجودة، مثل لقاحات الأنفلونزا، وصنع لقاحات جديدة ضد أمراض أخرى -أو حتى ضد السرطان. وكانت الملاحظة التحذيرية الوحيدة التي تحدث عنها تتعلق بهذه الأعراض الناجمة عن تفاعلية اللقاح. وقال لي: "نحن نعمل على طرق للحد من ذلك. لست متأكدًا من أن الناس سيتقبلونها مع لقاحات الإنفلونزا أو اللقاحات الأخرى”. وفي سياق متصل، يُلاحَظ أن أقل من نصف البالغين في الولايات المتحدة أخذوا لقاح الإنفلونزا في العام الماضي.
لكن "كوفيد 19” يظل بشكل عام أسوأ بكثير من الأنفلونزا. فقد قتل مسبقاً أكثر من 300.000 أميركي هذا العام، مقارنة بـ60.000 ممن يموتون بسبب الأنفلونزا في عام سيئ للغاية. وحتى بالنسبة لأولئك الذين يتعافون، يمكن أن يستمر المرض الذي يسببه فيروس كورونا لفترة أطول وأن يكون أسوأ بما لا يُقاس. وفي مقابل ذلك، فإن التهاب الذراع أو الإصابة بالحمى ليوم واحد قد لا تكون بهذا السوء.
سارة زانغ – (الأتلانتيك) 19/12/2020
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
*Sarah Zhang: كاتبة في مجلة "الأتلانتيك”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: What the Vaccine’s Side Effects Feel Like