الصحة النفسية الرقمية
جفرا نيوز- كتب د. عاصم منصور
ليس عبثا أن يخصص مؤتمر الابتكار في الرعاية الصحية الذي انعقد مؤخراً في الدوحة مساراً خاصاً بالصحة النفسية الرقمية، والتي عرَفها المنتدون بأنها تعني استخدام البرامج والأجهزة المتصلة بالإنترنت من أجل تعزيز المعرفة بالوقاية، والتقييم، والعلاج، وإدارة الصحة النفسية: إما بصورة مستقلة أو كأداة ايجابية مبتكرة مكملة للأدوات التقليدية الشائعة.
ويجمع خبراء الصحة أن قطاع الصحة النفسية يعد قطاعاً مهمشاً على مستوى العالم وتستوي في ذلك الدول المتطورة والنامية، بل أن البعض يذهب الى أن جميع الدول تعتبر نامية في مجال الصحة النفسية وإن كانت في مراحل مختلفة من هذا "النمو”.
فمن بين كل عشرة أشخاص يحتاجون الى الرعاية النفسية يحصل أربعة منهم فقط على العلاج، بينما يحصل ما نسبته %5 فقط على علاج متكامل. ويحدث هذا في الوقت الذي تشير فيه الدراسات إلى أن ثلث سكان الكرة الأرضية يعانون من أحد الأمراض النفسية التي تستوجب الرعاية الصحية والمتابعة.
وتشير الأرقام إلى أن اكثر من عشرة ملايين شخص يلجؤون يومياً الى محرك البحث "جوجل ” بحثا عن المعلومات التي تتعلق بجوانب الصحة النفسية، ومن هنا تتبدى لنا أهمية الاستثمار في الثورة الرقمية، وتوظيفها في خدمة الرعاية الصحية بشكل عام والرعاية النفسية بشكل خاص.
وفي السنوات الماضية شهدنا انتشاراً كبيراً للتطبيقات الرقمية التي تُستخدم في شتى مجالات الرعاية النفسية بدءاً من تقييم الحالة، ومرورا بالوقاية والعلاج. وتشير بعض الإحصاءات الى وجود ما يربو على عشرة آلاف تطبيق رقمي يعنى بالصحة النفسية. وفعلاً أثبتت بعض هذه التطبيقات كفاءتها، كونها منخفضة التكلفة، والوصول إليها متيسر من قبل قطاعات واسعة من البشر.
وتزداد أهمية هذه التطبيقات في وقت ما يزال الوباء فيه جاثماً على صدر العالم، حاداً من تنقل البشر، ودافعا أياهم الى قضاء وقت طويل في استهلاك الحصة الكبرى من نشاطاتهم اليومية في البحث في الفضاء الإلكتروني. ولم يشذ القطاع الصحي عن القاعدة من خلال الإنتشار الواسع للعيادات الصحية عن بعد، وتلقي الاستشارات الطبية الرقمية، ومتابعة المرضى من خلال الأجهزة المحمولة التي تسجل كل حركاتهم وسكناتهم. وفي المحصلة احتلت الصحة النفسية نصيبها من هذا التحول الرقمي، لكن هذا التحول يَشوبهُ القصور من حيث عدم التعامل مع الصحة النفسية بشمولية، بعيداً عن التطبيقات المنزوية، وغياب العدالة في تحقيق الفرص المتكافئة بين الشرائح المختلفة في الوصول إليه، كما أن الكثيرين ما يزالون يترددون في استخدامه: بوصفه حقلاً معرفياً جديداً، يحتاج الى المزيد من الوقت ليحظى بثقة المستخدمين والباحثين.
لا شك أن التحول الرقمي قادم وبقوة ليصبح جزءاً من مكونات القطاع الصحي، ولن تشكل الصحة النفسية استثناءً، ومن هنا يتحتمُ علينا التعامل مع هذا التحول والنمط الجديد كأداة مكملة للأدوات التقليدية التي نمتلكها، وأن نسعى إلى دمجه ضمن بوتقة الرعاية الصحية المتكاملة، لكي لا يتمخض عنه ولادة نبات مشوه ينموَ وحيداً خارج الأُطر العلمية المنضبطة.