أرقام مخيفة لنسب البطالة بعد الجائحة وتوقعات هزيلة بانتعاش التوظيف قبل نهاية 2021

جفرا نيوز - في نهاية المطاف سيختفي وباء كورونا يوما ما، لكن عواقبه على الوظائف وسبل العيش في جميع أنحاء العالم ستظل محسوسة لأعوام عديدة مقبلة، تلك باختصار الخلاصة التي وصل إليها الخبراء عندما يتعلق الأمر بتداعيات وباء كورونا على التوظيف على المستوى العالمي.

وتبلغ التقديرات الراهنة لمعدل البطالة على المستوى الدولي في عام 2020 بما يقدر بـ5.4 في المائة تقريبا، لكن تلك النسب تخفي وراءها حقائق مخيفة بشأن الأضرار التي لحقت بسوق العمل العالمي نتيجة فيروس كورونا.

وفي منطقة آسيا والمحيط الهادئ المنطقة الأكثر اكتظاظا بالسكان والأكثر حيوية وديناميكية اقتصادية على المستوى الدولي، أضر الوباء بالاقتصادات الوطنية، وأثر سلبا في أداء الشركات ومعدلات التوظيف.

وتقدر منظمة العمل الدولية عدد الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بنحو 81 مليون وظيفة، بينما 

تراجعت ساعات العمل في سوقه في المنطقة، ما دفع ما يراوح بين 22 و25 مليون عامل إضافي إلى الفقر.
وفي الواقع فإن وباء كورونا وتفاعلاته التي يتوقع أن تستمر لعدة أعوام مقبلة، كان لها تأثير أكثر سلبية في الأشخاص الأكثر ضعفا اقتصاديا، والنساء العاملات خاصة العاملات بشكل غير رسمي، وعلى القطاعات الشابة.

ويقول  الدكتور تشارلي أوليفر الاستشاري في منظمة العمل الدولية قائلا، "جائحة كورونا أدت إلى كساد اقتصادي ملحوظ، وهناك خطر حقيقي من أن الأزمة ستؤدي إلى زيادة الفقر وتوسيع نطاق عدم المساواة". وأشار إلى أن دول العالم تحتاج إلى بذل كل ما في وسعها لمنع تحول أزمة العمالة إلى أزمة اجتماعية، ولا شك أن إعادة بناء سوق العمل ليكون أفضل وأكثر مرونة هو الاستثمار الأكثر أهمية الآن".

ويستدرك قائلا، "في بعض القطاعات كان تأثير الوباء في سوق العمل أكثر قساوة من تأثير الأزمة المالية عام 2008، فعلى سبيل المثال في اقتصادات الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تضم في عضويتها 37 دولة رائدة في الاقتصاد العالمي كالولايات المتحدة، المملكة المتحدة، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، أستراليا، وكندا لم يتمكن ملايين الأشخاص من الذهاب إلى العمل، ما أدى إلى انخفاض حاد في النشاط الاقتصادي، وفقدان غير مسبوق للوظائف، وفي بعض دول تلك المجموعة انخفضت ساعات العمل بما يقارب 90 في المائة مقارنة بالأشهر القليلة الأولى من عام 2008".

ومن المتوقع أن يستمر ذلك المشهد السلبي العام المقبل أيضا، حيث ستظل البطالة مرتفعة في عام 2021، وفي دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية يتوقع أن تصل البطالة إلى ما يقرب من 10 في المائة هذا العام، ارتفاعا من 5.3 العام الماضي، 

وربما تقفز إلى 12 في المائة إذا تواصلت سياسات الإغلاق خاصة في أوروبا، ولا يتوقع انتعاش الوظائف إلا في نهاية عام 2021.

ومع هذا ترى الدكتورة مادلين رالف أستاذة الاقتصادات العمالية في جامعة كامبريدج أن الحديث عن البطالة الناجمة عن وباء كورونا، ترسم مشهدا عاما عن أوضاع العمالة في 2020، لكن تفاصيل المشهد غير واضحة، بل المشهد ذاته غير دقيق في كثير من الأحيان، ولا يعكس حجم الضرر الحقيقي الذي أصاب سوق العمل الدولية.

وتقول ، "جائحة كورونا أدت إلى تراجع اقتصادي بشكل غير متساو عبر القطاعات الاقتصادية المختلفة، في حين أن تأثير الركود كان أقل خطورة بالنسبة لأولئك القادرين على العمل من المنزل.

وأضافت، "العمال الذين يعملون في صناعات مثل الترفيهية والنقل تضرروا بشدة، علاوة على ذلك أدى الوباء إلى تفاقم الاتجاهات الموجودة من قبل، فيما يتعلق بالفقر وعدم المساواة في الدخل، التي كانت في ازدياد بالفعل في عديد من الاقتصادات المتقدمة والناشئة والنامية حتى قبل تفشي الوباء".

وتتشكك الدكتورة مادلين رالف في النسب الدولية المعلنة عن معدلات البطالة العالمية، وتقول "إذا كان يمكن احتساب البطالة بشكل دقيق نسبيا في بلد مثل المملكة المتحدة أو ألمانيا أو الولايات المتحدة، فإنه من المشكوك فيه أن تكون الأرقام دقيقة في الصين، فالنظام حريص على إعلان نسب مرتفعة للنمو ومنخفضة للبطالة عبر تضيق مفهوم البطالة ذاته، لإظهار متانة الوضع الاقتصادي، أما في الدول النامية مثل دول غرب إفريقيا وشرق إفريقيا، فمن المشكوك فيه تماما أن تكون نسب البطالة المعلنة صحيحة، لأن جزءا كبيرا من الاقتصاد الوطني يدخل ضمن نطاق اقتصادات الظل، حيث لا يوجد بيانات حكومية بشأن أعداد العاملين فيها".

ويشير الخبراء إلى أن تداعيات وباء كورونا على سوق العمل الدولي لم تقف عند حدود ارتفاع معدلات البطالة وفقا للتعريفات التقليدية، التي تربط البطالة بفقدان العمل فقط. وإذ كان للجائحة تأثير سلبي في مستوى معيشة العاملين في جميع القطاعات الاقتصادية، ففي عديد من الدول خاصة الدول التي اتخذت تدابير قوية للحفاظ على استقرار سوق العمل، فإن الشعور بآثار الأزمة جاء في المقام الأول في شكل انخفاض الأجور، وليس فقدانا هائلا للوظائف.

وقد انعكس هذا الوضع بشكل أكثر حدة على العمال ذوي الأجور المنخفضة، وأولئك الذين يعملون في وظائف تتطلب مهارات منخفضة، حيث فقدوا ساعات عمل أكثر من الوظائف الإدارية والمهنية ذات الأجور الأعلى.

وحول هذا الجانب يوضح الدكتور ماثيو تيد رئيس وحدة تخطيط الموارد البشرية في المعهد الدولي للأبحاث الاقتصادية قائلا، "قبل الجائحة كان هناك نحو 266 مليون شخص على مستوى العالم يكسبون أقل من الحد الأدنى من الأجر في الساعة، ومع تفشي الوباء تعرض دخل 17.3 في المائة من القوى العاملة التي تحصل على الحد الأدنى للأجور إلى التراجع، ولم تفلح الإعانات الحكومية في كثير من الأحيان في تعويض انخفاض الدخل".

ومع هذا يظل السؤال قائما ما أعداد الوظائف التي تم فقدانها على مستوى العالم منذ بداية الجائحة؟ وفقا لبيانات منظمة العمل الدولية، فإنه بافتراض 48 ساعة عمل أسبوعيا، فإن تخفيض ساعات العمل في الربع الأول أدى إلى خسارة ما يعادل 160 مليون وظيفة بدوام كامل.

وارتفع العدد في الربع الثاني من هذا العام ليعادل خسارة 495 مليون وظيفة بدوام كامل، وتتوقع منظمة العمل الدولية أن تتراكم الخسائر في الربع الأخير من هذا العام، خاصة أن انخفاض ساعات العمل في الربع الثالث أدى إلى فقدان 345 مليون وظيفة بدوام كامل، منهم 19.8 في المائة منهم في الأمريكتين، و12.4 في المائة، في الدول العربية، و11.6 في المائة في أوروبا وآسيا الوسطى.

وجاءت إفريقيا 11.5 في المائة ثم منطقة آسيا والمحيط الهادئ 10.7 في المائة، وتبلغ التقديرات بان يشهد الربع الأخير من هذا العام فقدان 245 مليون وظيفة بدوام كامل في حين تصل وجهة النظر المتشائمة بالرقم إلى 515 مليون وظيفة، بينما الرؤية المتفائلة تشير إلى رقم 160 مليون وظيفة.

مع هذا يرى الباحث الاقتصادي هنري أوسكار أن الأزمة الاقتصادية الراهنة التي رفعت من معدلات البطالة مرتبطة بعدم اليقين الاقتصادي، وأن استعادة الثقة في الاقتصاد العالمي ربما يؤدي إلى تغيير المشهد في العام المقبل، ما قد ينعكس إيجابا على معدلات التوظيف.

وفي هذا السياق يرسم سيناريوهان بشأن معدلات البطالة في عام 2021، يرتبط الأول بعدم تحقيق اللقاحات العلاجية النتائج المطلوبة، ما سيؤدي إلى العودة المتكررة لسياسات الإغلاق مع كل موجة جديدة من الفيروس، وفي هذه الحالة سينخفض الناتج الاقتصادي العالمي ليقترب من 8 في المائة العام المقبل، وسيقفز معدل البطالة إلى أكثر من 10 في المائة العام المقبل.

كما سيؤدي ذلك الوضع الاقتصادي السيئ في عامي 2020 و2021 إلى صعوبة أن يستعيد الاقتصاد الدولي توازنه قبل عام 2025، وخلال الفترة من 2022 حتى 2025 فإن معدل البطالة لن يتراجع عن 7 في المائة في أفضل تقدير.

وفي السيناريو الثاني إذا ما أثبتت اللقاحات قدرتها الفعالة، سينخفض النشاط الاقتصادي العالمي هذا العام 6 في المائة، وستراوح معدلات البطالة بين 5 و5.5 في المائة، وسيبدأ الاقتصاد العالمي في استعادة الثقة المفقودة في الربع الثالث من العام المقبل، وفي هذه الحالة يمكن أن يراوح معدل البطالة العالمي في عام 2021 ما بين 3.7 - 4.8 في المائة.

وكالات