خبراء مشروع دمج الهيئات المستقلة متى يخرج للعلن وبعضها تحول لبيئة خصبة لـ”تنفيعات” و”المصالح الضيقة”
جفرا نيوز
عمان- ما تزال الهيئات والوحدات الحكومية المستقلة تتعرض منذ سنوات طويلة إلى سهام النقد وتعالي الأصوات المطالبة بحل بعضها أو وإعادة دمجها مع بعض الوزارات والمؤسسات الحكومية الأخرى.
ولم يخف خبراء اقتصاديون تخوفهم من أن تشكل هذه الهيئات عبئا إضافيا ثقيلا على كاهل الاقتصاد الوطني وأن تزيد من عجز الموازنة المتفاقم أصلا.
واعتبر الخبراء أن الهيئات المستقلة في المملكة قد تجاوزت الهدف الذي أنشئت من أجله وبأنها تحولت إلى بيئة خصبة لـ”تنفيعات” و”مصالح ضيقة” وهي تخدم فئة محددة.
وأشار الخبراء إلى أن العدد المتزايد من هذه الهيئات أدى إلى زيادة عجز الموازنة العامة وازدواج أداء مهام الكثير منها والتي تتقاطع مع بعضها في مهام عدة واختصاص وزارات ودوائر حكومية أخرى، إضافة إلى تكريس فجوة هائلة في هيكل الأجور لدى موظفي القطاع العام وقد تؤدي في المدى الطويل إلى توليد ضغائن وشروخ داخل المجتمع.
ودعا هؤلاء إلى ضرورة وضع رؤية محددة الأسس والمعايير يتم من خلالها دراسة واقع هذه الهيئات وتقييم إنجازاتها ومدى الحاجة إلى الإبقاء عليها والإسراع في إنفاذ مخرجات هذه الرؤية من حل أو دمج هذه الهيئات، إضافة إلى ضرورة تعزيز وتمكين عمل بعض الهيئات وتوفير الاحتياجات اللازمة لنجاحها، ولا سيما هيئة الاستثمار التي تعد حجر زاوية أساسية في أي عملية إصلاح اقتصادي.
ويوجد 25 مؤسسة وهيئة مستقلة في المملكة من المتوقع أن يبلغ العجز من ورائها خلال العام المقبل 586 مليون دينار، وهو الفرق بين الإيرادات المتوقعة عند 914 مليون دينار مقارنة مع نفقات قدرها 1.5 مليار.
ويصل عدد المؤسسات التي تورد إيرادات إلى الخزينة 11 مؤسسة، بينما يبلغ عدد المؤسسات التي تعاني العجز 14 مؤسسة، علما بأنه من المتوقع أن تتكبد المياه وشركة الكهرباء الوطنية عجزا قدره 618 مليون دينار بسبب إيرادات سالبة (-58.6) مليون دينار ونفقات بمجموع 560 مليون دينار.
وقال الخبير الاقتصادي زيان زوانة "إن الهيئات والوحدات الحكومية المستقلة في الأردن تجاوزت الهدف الذي أنشئت من أجله وتحولت إلى عبء ثقيل على الموازنة العامة مع توسع نفقاتها وتضخم كوادرها ذوي الدخول المرتفعة”.
وبين أن هذه الهيئات أصبحت بيئة للتنفيعات والترقيات مبتعدة عن الغاية التي أنشئت من أجلها لإصلاح القطاع العام وتنظيم عمله.
واعتبر زوانة أن غياب الإرادة الحكومية الجادة وتعنت قوة الشد العكسي المستفيدة من الوضع القائم لهذه الهيئات هي من تحول دون حل هذا الملف الذي أصبح بمثابة معضلة كبيرة لواقع الإدارة العامة والاقتصاد الأردني.
ودعا زوانة، الحكومة، لضرورة وضع رؤية استراتيجية شاملة لدراسة واقع هذه الهيئات وتقييم عملها، وبناء عليه اتخاذ القرار بالمضي في استمرارية بعضها أو دمجها بما يحفظ الحقوق الوظيفية للعاملين بها وتوجيههم نحو وزارات ومؤسسات أخرى وفق اختصاصتهم وخبراتهم، مؤكدا أن معالجة هذا الملف ستسهم في وقف تشتت العمل الحكومي وتوحيد مرجعيات عمله، خاصة للمستثمرين الذين يواجهون عقبات كثيرة بسبب ازدواج المهام لدى عدد كبير من مؤسسات الدولة، إضافة إلى أنه يسهم في ضبط النفقات العامة وتخفيف العبء عن الموازنة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الوطني.
وبدوره، أكد الخبير الاقتصادي مفلح عقل أن هناك عددا متزايدا من الهيئات المستقلة التي لا حاجة لها وأن هذه الهيئات تتسبب بخسائر سنوية تتجاوز 600 مليون دينار دون أن تقدم أي قيمة إضافية لعمل القطاع العام وتحسين أدائه.
وبين عقل أن الفشل الذي صاحب الحكومات المتعاقبة كافة في إيجاد حل لهذا الملف يعود إلى غياب الإرادة الجادة في معالجة هذا الملف، إلى جانب المقاومة الكبيرة من أصحاب النفوذ في هذه الهيئات الذين يرفضون عملية الدمج أو الحل التي ستقضي على المكاسب والحظوة التي حصلوا عليها من هذه الهيئات.
إلى ذلك، شدد الخبير الاقتصادي وجدي مخامرة على ضرورة الإسراع في إعادة النظر بعمل واختصاصات الهيئات والمؤسسات الحكومية المستقلة كافة لتحديد الهيئات التي نحتاجها والهيئات الفائضة على الحاجة، ومن خلال ذلك يمكن أن تحقق أثرا اقتصاديا إيجابيا من هذه العملية بتخفيف النفقات الجارية وتحقيق متطلبات صندوق النقد الدولي لتمويل الاقتصاد الوطني وتحسين مؤشرات أدائه.
وأوضح مخامرة أن هناك حاجة ملحة للحفاظ على بعض الهيئات وتمكينها وتعزيز استقلاليتها كهيئة الأوراق المالية التي تحتاج إلى خبرات تساعدها على إعادتها إلى المسار الصحيح الذي كانت عليه البورصة قبل الأزمة العالمية العام 2008، إضافة إلى هيئة الاستثمار التي تحتاج إلى منحها مزيدا من الصلاحيات التي تمكنها من جلب المزيد من الاستثمارات التي تنعكس إيجابا على مؤشرات الاقتصاد المحلي.
إلى ذلك، يرى وزير تطوير القطاع العام الأسبق ماهر مدادحة أن هناك تضخيما لملف الهيئات المستقلة ومحاولات استغلال وتسلق شعبوي من قبل كثير من السياسين، مبينا أن هناك جهات وبعضها سياسية قد قامت بتجريد هذه الهيئات من أهدافها وبحثت عن مصالحها الخاصة بعيدا عن المصلحة العامة التي تحققها هذه الهيئات.
وبين مدادحة أن الهيئات المستقلة تأتي ضمن نوعين؛ الأول رقابي وتنظيمي والثاني خدمي، وأن النوع الأول من هذه الهيئات مهم لأي عملية إصلاح اقتصادي وتساعد على تحرير القطاعات الاقتصادية من التدخل الحكومي وتشجع المستثمرين على الإقبال على السوق الأردنية؛ إذ تعمل هذه الهيئات على توفير بيئة مناسبة لها، الأمر الذي ينعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني وتخفيف معدلات البطالة وتسريع النمو، ورغم كل هذه الأهداف البراقة، إلا أن عدم الفهم الصحيح للهيئات المستقلة من قبل القائمين على مؤسسات الاقتصاد الأردني قد فرغ هذه الهيئات من أهدافها ونزع الفائدة منها.
وأكد مدادحة أن الهيئات الخدمية يمكن إيجاد حلول لها من خلال حلها وحل كذلك الوزارات التي تتقاطع مع عملها من خلال تشكيل وزارة واحدة تنضوي تحتها هذه الهيئات، والتي منها هيئة الاتصالات وتنظيم قطاع النقل وتنظيم قطاع الطاقة والسياحة تحت مسمى وزارة البنية التحتية، ومن هنا يمكن تحقيق ضبط حقيقي لنفقات وترشيق للقطاع العام، موضحا أن هذه الفكرة تم العمل عليها سابقا، إلا أنه لم يتم البناء عليها من قبل الحكومات المتعاقبة.