“كورونا” وتفاقم الضغوط النفسية.. متى نلجأ للاستشاري النفسي؟

جفرا نيوز - تلك الظروف العصيبة التي رافقت ظهور فيروس كورونا المستجد، فاقمت من الضغوطات النفسية والشعور بالقلق والتوتر والهلع والوسواس القهري والتوهم المرضي، كذلك الخوف مما هو مقبل. الشعور بالخطر والحجر الصحي والإغلاقات، وفرض قيود اجتماعية تقضي بالتباعد الجسدي حتى عن أقرب المقربين وتغير شكل العلاقات، والتفاصيل الحياتية كافة؛ تجربة لم تكن سهلة على أشخاص كثر لم يحتملوا ذلك الشعور.

المبالغة بالتعقيم والتأثر بالأفكار السلبية والتركيز على أسباب العدوى وسرعة الانتشار ومتابعة الأخبار المؤلمة عن المرض وأعداد المصابين والوفيات والتعرف على الأعراض وغيرها الكثير من العوامل النفسية، ألقت بظلالها الخطيرة ليس فقط على الصحة الجسدية بل أيضا على الحالة النفسية التي تسبب ضغوطا قد لا يحتملها الأفراد.

ويأتي العامل الاقتصادي وما ينتج عنه من ضعف الأمان المادي ليزيد من المخاوف؛ إذ حذرت دراسات من تأثير البطالة أو فقدان مصدر الدخل على الصحة النفسية على المدى الطويل، وربطت دراسات عديدة بين تداعيات الوباء على الحالة الاقتصادية وبين الاكتئاب والضغوط النفسية والتفكير في الانتحار، كما حذرت من انتشار الوحدة المزمنة أو "انعدام الهدف” في الحياة بسبب إجراءات التباعد الاجتماعي أثناء الجائحة.

أطباء ومتخصصون نفسيون حذروا من آثار عميقة لوباء كورونا على الصحة النفسية في الوقت الحاضر ومستقبلا، مؤكدين أن هذا الفيروس بتأثيراته الجسدية والنفسية عابر للحدود لجميع أنحاء العالم من حيث سرعة الانتشار وطرق انتقال العدوى وعدد الإصابات والوفيات والطبيعة الغريبة غير المفهومة لتركيبته من حيث أنه يصيب بعض المخالطين دون غيرهم.

ومن خلال الدراسات التي أجراها العلماء أن أكثر الفئات عرضة للإصابة بالآثار النفسية بالدرجة الأولى هم الأطفال والعاملون في الخطوط الأمامية في قطاع الصحة والذين يطلق عليهم الجيش الأبيض.

وهنا السؤال الحاضر في أذهان الجميع: متى يلجأ الشخص للاستشاري النفسي بقصد التخفف من ضغوطات كورونا؟
الثلاثينية آلاء صالح تأثرت كثيرا بجائحة كورونا وتملكها الضيق نتيجة للأحداث الغريبة وتفشي الخطر في كل مكان حولها. 

تقول إن ضغوطات نفسية مرهقة تعرضت لها كغيرها أفقدتها الإحساس بالأمان، وخاصة في بداية ظهور الجائحة.

خوفها على من تحب جعلها دائمة الحزن كئيبة شاردة سريعة البكاء والتأثر بأي موقف، وتحاول باستمرار إخراج نفسها من تلك الحالة التي استنزفتها طيلة الأشهر الماضية وذلك عن طريق عودتها لممارسة هوايات أهملتها سابقا وانشغلت عنها.

آلاء في هذه الفترة تركز على رياضة الجري وسماع الموسيقا، إضافة إلى أنها استطاعت أن تستعيد شغفها القديم بصناعة المشغولات اليدوية وابتكار أصناف جديدة من الحلويات ومشاركة الصور مع أصدقائها على مواقع التواصل الاجتماعي، وأيضا بدأت تهتم مؤخرا بإثراء شخصيتها بقراءة الكثير من النصائح النفسية التي كان لها دور مهم وفعال في تحريرها من التوتر والقلق والتفكير السلبي.

أما الأربعيني أمجد فهو أيضا يتشابه مع آلاء في قصتها مع فارق بسيط، وهو أن تعبه النفسي انعكس بشكل واضح ولافت على صحته الجسدية. أعراض كثيرة لم يكن يشعر بها من قبل بدأ يلاحظها في نفسه في الفترة الأخيرة، منها صداع وآلام شديدة في المعدة ونوبات من التشنجات العصبية، هذا تماما ما يرافق نفسيته المتعبة وشحوبه الدائم.

صعوبة الأوضاع المادية، أثقلت كاهله وجعلته تائها مكتوف اليدين أمام أبنائه الصغار الذين يبحثون ببراءة عما يسعدهم ويشعرهم بأنهم متساوون مع غيرهم لا يطلبون سوى احتياجاتهم الأساسية، ورغم ذلك، فإن الظروف الحالية تأبى إلا أن تعاند والدهم وتقف في وجهه وتكبله. وصوله لدرجة شديدة من التعب دفع صديقه المقرب لأن ينصحه بزيارة الاستشاري النفسي لعله ينقذ نفسه ويضع حدا لأوجاعه غير المفهومة والتي باتت تتفاقم يوما بعد آخر.

ويرى الاختصاصي النفسي الدكتور يوسف مسلم، أن هناك فرقا بين الطبيب النفسي والمعالج النفسي أو الاستشاري النفسي، فالأول يعتمد في علاج الحالة على الوصفات الدوائية ويكون لا بد من تدخله حين تتحول كل تلك التغيرات والمشكلات النفسية إلى أمراض عضوية وقد تتفاقم كثيرا.

أما المعالج النفسي، فتكمن مهمته في عمل جلسات نفسية للشخص، ويكون ذلك في حالات الاكتئاب أو القلق البسيط وأيضا المشكلات السلوكية، مشيرا إلى أن الشخص نفسه قادر على تقييم وضعه ومعرفة أن هناك شيئا ما في سلوكه أو مزاجه أو مشاعره أو طريقة تفكيره قد تغير، ولهذا الأمر معايير عدة؛ أولها أن يكون التغير شديدا واضحا ومستمرا لفترات طويلة، إضافة إلى تدخله في حياة الشخص وتعطيل جزء منها، وهنا حتما تقتضي المساعدة.

ويبين مسلم أنه في الوضع الطبيعي عند تعكر المزاج أو الغضب العابر أو الحزن، يبدأ الشخص بالتعامل مع المشكلة والبحث عن طرق للتحرر من تلك المشاعر السلبية أو يأخذ قسطا من الراحة أو أن يخلد إلى النوم مثلا أو ربما يخرج تماما من البيت، لكن أحيانا قد يكون تعاملنا مع المشكلة غير كافٍ للتخلص منها نهائيا ربما يخفف من تأثيراتها على النفسية، إلا أنه في مثل هذا الوضع يجب مراجعة الطبيب النفسي لتشخيص الحالة ووصف الدواء المناسب، وينصح قبل ذلك كله بزيارة المعالج النفسي أولا ويشترط أن يكون ذا خبرة كبيرة.

ويتفق معه الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة في ضرورة التمييز بين الحاجة للطبيب النفسي والحاجة للمعالج النفسي والحالات التي تستدعي زيارة كل منهما، كما يلفت إلى أن اللجوء للاستشاري النفسي يكون عند الشعور بالقلق أو الخوف أو الوسواس أو حينما تسيطر عليه الأفكار السلبية فتنتابه مشاعر من عدم الراحة أو السعادة، وهذا تحديدا يتوجب إذا تكررت الحالة واستمرت لفترات طويلة وأيضا إذا كانت سببا في إعاقة حياة الشخص وتخريبها.

ويلفت مطارنة إلى أن عدم معالجة المشكلات النفسية وحلها يؤدي حتما إلى تفاقم الوضع وتصبح بالتالي أمراضا عضوية مزمنة يصعب السيطرة عليها كأمراض القلب والقولون وآلام المعدة وغيرها الكثير.

ويختم بالتشديد على ضرورة تغيير الثقافة المجتمعية التي تدين زيارة الطبيب أو الاختصاصي النفسي وتنظر إلى الشخص على أنه "غير عاقل” وتعيب عليه ذلك الفعل فهي ثقافة قاصرة فيها من الجهل الكثير.

وفي دراسات عالمية، وجد علماء النفس أن إحدى المشاكل النفسية التي من المرجح أن تستمر على المدى الطويل بعد وباء كورونا المستجد هي اضطراب الوسواس القهري، بسبب الضغوط النفسية من الجائحة. وقد يصاب بعض هؤلاء برهاب الجراثيم المزمن ما لم يتلقوا علاجا نفسيا ملائما.

ووفق ما نشر على موقع "بي بي سي”، تقول يوكو نيبودا، الاختصاصية النفسية والمتحدثة باسم مجلس العلاج النفسي بالمملكة المتحدة: "إن اضطراب القلق العام يعد من المشاكل النفسية التي قد تنتشر في الأيام المقبلة. إذ يعاني الكثيرون من القلق بالفعل، لكن وباء كورونا القاتل، قد يفاقم القلق والمخاوف لدى الأشخاص الذين يميلون للشعور بالقلق، وحتى بعد انحسار الوباء، سيشعر البعض بقلق مفرط خوفا من ظهور سلالة أخرى من الفيروس”.

وأثارت مؤسسة "بلاك دوغ” المستقلة لبحوث الصحة النفسية مخاوف حول "الأقلية التي ستعاني القلق طويل الأمد”. وحذرت مجموعة من الاختصاصيين الصحيين البارزين مؤخرا في الدورية الطبية البريطانية من "أن آثار الجائحة على الصحة النفسية من المرجح أن تبقى لفترة أطول مقارنة بآثارها على الصحة البدنية”.