آثار وسط البلد..اكتشاف آثار أم مأتم؟

جفرا  نيوز : كريم الزغيّر
 
 
في شهر تشرين الثاني الماضي؛ أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية اكتشاف آثار فرعونية، فعقدت الوزارة مؤتمرًا صحفيًّا لوسائل الإعلام، ولم تكتفِ بذلك فحسب؛ بل انبرى عالم الآثار المصري (زاهي حوّاس) بالحديث عن هذه الآثار الفرعونية عبر طقوس احتفائية بهذا الاكتشاف؛ لأنّ هذه الاكتشافات ليست سوى تمظهر للجذر الحضاري للشعوب.
 
 
قُبيل أيّام؛ أعلنت المؤسسات الرسمية في الأردن عن اكتشاف آثار أثناء الحفر في منطقة وسط البلد الّتي تزدان بالآثار الرومانية، والّتي لا مندوحة عن سرد جزء من تاريخها التليد، لذا، فليعذرنِ القارئ، إذ سأسترسل حول التاريخ الروماني لهذه المنطقة.
 
في سنة 63 ق.م (قبل الميلاد) أتمّ القائد الروماني (بومبي) فتح بلاد شرقي البحر الأبيض المتوسط، فاهتم كثيرًا بالمدن التي كان اليونانيّون قد بنوها على طراز مدنهم، وأسكنوا فيها عائلات يونانية، كما أولاها عنايته، وأمر بانعاشها ومنح كلّ واحدة منها استقلالًا ذاتيًا، وكان في طليعة هذه المدن (فيلادلفيا).
 
ولمّا ورث الرومان حكم هذه البلاد أخذوا يجددون شبابها، وزادوا في سخائهم نحوها، ووسعوا امتيازاتها، وسمحوا لها بضرب عملة خاصّة بها، وتنافس الحكّام في إقامة الأبنية العامة فيها (هياكل، حمامات، ساحات، أسواق، ميادين سباق) ومن هذه الأبنية العامّة؛ المدرّج الروماني، وبمرور الزّمان أصبحت (عمَّان) صورةً مصغّرةً عن روما في جميع مظاهر حياتها الاجتماعية، ومن الحوادث التاريخية؛ حادثة الأسد في المدرّج الروماني، والتي تفسّر وجود الحواجز والقضبان الحديدية في المدرّج الروماني، حيث طالب سكّان (فيلادلفيا) أن يقيم لهم أميرهم حفلة مبارزة مع الوحوش، وحقّق الأمير أملهم يوم زواج ابنته، فقد قدّم أحد أمراء افريقيا الشمالية أسدًا هدية للعروس، ومع أنّ المدرّج الروماني لا يصلح لمثل هذه الحفلة الخطيرة فقد أضيفت إليه الحواجز والقضبان الحديدية لتحول دون وصول الأسد إلى الحضور. وآنذاك أُخرج أحد السجناء لمبارزة الأسد، وكان الأسد جائعًا، فطال العراك بين الخصمين (السجين والأسد) حتى خار السجين بعد قتال مستميت، فشبّ الأسد إلى ما فوق القضبان، ووثب إلى الداخل؛ فأصاب العروس ومن حولها، وهكذا كانت المرّة الأولى والأخيرة.
 
 
بالإياب إلى المؤسسات الرسمية في الأردن؛ فإنّ الإعلان الباهت عن اكتشاف آثار تاريخية كهذه؛ يدلّ على الوعي اللإدراكي لتاريخ الأردن وعاصمته التي كانت مستقرًّا للحضارات، وموئلًا للشعوب، فاكتشاف كهذا يجب أن يتم الإعلان عنه بنبرة احتفالية احتفائية، وكان خليقًا بهذه المؤسسات أن تعقد مؤتمرًا صحفيًّا يتلاءم مع هذا الاكتشاف التاريخي لا أن يبرز الأمر وكأنّنا اكتشفنا مقبرة جماعية، والأدهى؛ أنّ الاستفسار الشعبي انحصر حول اكتشاف الذهب فقط، مما يُبيّن النزعة المادية الاستهلاكية في المجتمع الأردني.
 
الإشكالية الموضوعية؛ هو أنّ هذه الآثار ستصبحُ كغيرها من الآثار الرومانية التاريخية؛ موضعًا للروث والقمامة، أو مستنقعًا لمياه الصرف الصحي، أو مزارًا للعائلات كي (تفصفص) البزر.
 
إذن؛ هل تذهب هذه الآثار ... ونستفيد منها  ؟!