مراجعة النفقات الرأسماليّة
جفرا نيوز- سلامة الدرعاوي
احدى الفرضيات الأساسيّة لمشروع قانون موازنة 2021 هي إعادة النظر في بند المشاريع الرأسماليّة وتبويبها من جديد، بمعنى إيقاف أي مشاريع تندرج تحت هذا البند على أنها رأسماليّة وهي في حقيقتها نفقات جارية.
هذا الإجراء هو خطوة صحيحة اقتصاديّاً، لاعتبارات عدة، فغالبية المشاريع التي كانت تظهر في بند النفقات الرأسماليّة هي في غالبيتها مشاريع جارية لا اكثر، وليس لها أيّة قيمة اقتصاديّة مضافة على الاقتصاد الوطنيّ، والهدف كان هو تضخيم هذا البند ليظهر أمام المانحين والمؤسسات الدوليّة إن هناك مشاريع كبيرة في الموازنة وان معدّلات النموّ ستقفز للأمام.
لكن الحقيقة المرّة ان غالبية المشاريع هي نفقات جارية، وان المشاريع التي تتمتع بالصفة الرأسماليّة لا تتجاوز في حقيقتها ما نسبته الـ 10 بالمائة من إجمالي تلك المخصصات التي كانت تصل في بعض الأحيان الى اكثر من 15 بالمئة من حجم الموازنة الكُلّي.
في العام الحالي كانت مخصصات موازنة النفقات الرأسماليّة تتجاوز 960 مليون دينار، وهو رقم كبير بِكُلّ المقاييس على اقتصاد مثل الاقتصاد الوطنيّ، ولو كان هذا المخصص حقيقيا من حيث أهميته الرأسماليّة لكان النموّ الاقتصاديّ اكبر بكثير مما في التقديرات التي كانت تتوقعه الحكومات أو المانحون، لا بل كان اكبر بكثير من المعدّلات الحقيقية التي حدثت على ارض الواقع، وكان قادرا على تجاوز أيّ تداعيات طارئة شهدها الاقتصاد كما حصل بسبب كورونا.
بند النفقات الرأسماليّة في العام المقبل يُقدّر بأكثر من 1.18 مليار دينار فيما لا يتجاوز الجديد من المشاريع 170 مليون دينار فقط، والباقي نفقات جارية على مشاريع في الموازنات السابقة منذ أعوام، وهو ما يثير التساؤل الاقتصاديّ حول فاعلية هذا البند بالنموّ.
نعم غالبية المشاريع المدرجة في النفقات الرأسمالية ليست لها علاقة بالنموّ الاقتصاديّ، والكُلّ يتذكر انه في الأعوام (2003-2007)كان حجم النفقات الرأسماليّة الكلي لا يتجاوز 600 مليون دينار، وكانت نسبة الإنجاز فيه لا تتجاوز في افضل حالتها ما نسبته 60 بالمائة، ومع ذلك كانت نسبة النموّ تتراوح بين 5-7بالمائة، في حين ان حجم مخصصات النفقات الرأسماليّة في آخر 10 سنوات تجاوز المليار دينار، فيما النموّ لم يتجاوز في اعلى معدّلاته 2 %، ما يدلل على انه غالبية المشاريع المدرجة في السنوات الأخيرة غير فاعلة أبداً باتجاه النموّ الاقتصاديّ.
المقصود بفاعلية المشاريع باتجاه النموّ أي ان لها قدرة على تحقيق قيمة مضافة عالية في الاقتصاد الوطنيّ في حال تنفيذها، وهنا سيكون لها أثر إيجابي من حيث التشغيل للأردنيين، ودعم الصادرات الوطنيّة، واستيراد تكنولوجيا حديثة، وضخ العملات الصعبة للاقتصاد، وكُلّها عوامل مهمة في اطلاق الوصف الحقيقي لما يسمى بالمشاريع الرأسماليّة التي يجب ان تدرج في الموازنة العامة.
من الأهمية بمكان ان تعاد أسس احتساب النفقات الرأسماليّة ورصد مشاريعها بالشكل الاقتصادي الصحيح، لان ذلك يعطي صانع القرار الاقتصاديّ القدرة التوسعية على وضع فرضيات قريبة من الواقع، والتحكم في مؤشرات اقتصاديّة أخرى بعيدا عن المبالغات في الفرضيات، لان الأسلوب الصحيح في الموازنة هو التحوط والاقتراب اكثر من الواقع في وضع المؤشرات وعدم المبالغة في التصورات النهائيّة، فالتصحيح السليم للموازنة هو إعادة النظر في البنود التي لا تحقق القيمة المضافة للاقتصاد، والنفقات الرأسماليّة للموازنة هي اهم تلك الفرضيات والمؤشرات التي بحاجة الى المراجعة الفورية، ويبقى التحدي الأكبر أمام الحكومة هو في كيفية إدراج مشاريع رأسمالية حقيقية لها القدرة على رفد النموّ وتحقيق الأهداف المرجوة من رصدها في الموازنة.