مكرم مصطفى القيسي ... عام على رحيل ابي
جفرا نيوز- كتب: مكرم القيسي
عام مر على غيابك يا أبي، وأنا لا أعرف ماذا أكتب لك أو عنك، وكل يوم يداهمني محياك في الليل واتذكر الملامح والقسمات، و ذاك المسدس على جنبك الأيمن والنظرة الصارمة، وأتذكر أنه لم يكن وجهاً بقدر ما كان امتداداً لتضاريس الوطن، والتعبير الصادق عن العسكرية الأردنية والوفاء الذي ترسخ فيها...
وتطوف بي الذكريات، أتدري أيها الغائب الحاضر؟ أنا أحفظ كل جلسة بحت بها لي عن زمن الطلقة والسلاح والدم والموت ...أتذكر أنك سردت لي كيف أرادوك طريداً، وكنت المنتصر... كيف أرادوك هدفاً... ونثرتهم على قارعة النسيان.... وما مسوا من أهداب الكبرياء شيئاً... أتذكر أحاديثك عن المخابرات، كيف ذات يوم تقبل الراحل الكبير الحسين اقتراحك وتغير شعار الدائرة إلى (وقل جاء الحق)، لتتحول رمزية رجل المخابرات من الهدهد إلى النسر... وتلك قصة سأرويها فيما بعد... أتذكر أن قلبك كان مخزن الاسرار... وخبأتها في الصدر... وعبرت الحياة موجة تطوي أخرى، ودرباً من الشوك .. هل قلت الشوك؟ كان الشوك هو الذي ينزف من صلابتك .. ولم تنزف يوماً.
انت من الرجال الذين تلتوي أسنة الحراب على أجسادهم، ولا تخترق الجسد ...وكم قاموا بلوي الأسنة... وكان صبرك عزيزاً وكبيراً، وضحكت في داخلك حين قلت لي مرة، ونحن نجلس على شرفة من الحزن والكبرياء: كانوا ينشرون إسمي ورتبتي في الصحف المهاجرة، ويطلبون رأسي جهراً.. ولم يفلحوا وقلت لي أتدري لماذا لم يفلحوا؟ لأن الله شاء لي أن أعيش وأن لا يفلح الغدر في النيل مني ... وهو ينسج في الخفاء...
أنا لا أتحدث عن أبي، ولكن أتحدث عن جيل الشوامخ، وأتحدث عن الصخر... عن البطولة... كيف تولد... وكيف تصبر وكيف تتحدى، وأتحدث عن الإيمان بالوطن والعرش... وكيف كان ديدن الرجال الذين عاشوا زمن النار، وحرقوا النار ببسالتهم ولم يحترقوا... أتحدث عن الذين مشوا درب الحياة، ولم يثنيهم ضيق الحال عن الصعود إلى مرتقى المسؤولية... أتحدث عن الأردني، الذي طوى الجمر بكفه... ومضت سنوات طويلة من عمره لم يعرف فيها كيف يغمض الجفن .... لم يعرف فيها طعماً للراحة، وكان بحجم الجبل وكان أرق من الورد ... وكان صدره الترس الذي يرد العاديات إن صعد غبارها وانتشر...
رحمك الله أيها الحنون، الذي ما زال صوته يداهمني في المنام ... وأصحو على صورتك... مازال وقع خطاك يتردد في البيت، وأنتظر أن تطل علينا بمحياك الجميل، مازالت هيبتك ترمي بثقلها على الجدران.... حتى الجدران يا أبت مثقلة من حجم الهيبة، ما زالت الشجرات الصغيرات التي زرعتها... تميل على حنان الإسم إن صدحنا باسمك، أيها المصطفى النبيل، والأولاد والأحفاد ينتظرون قبلة أو بسمة أو ضمة من كفين أعذب من السكر وأحن من ورق الورد...
ستبقى في قلبي، في صفحات التاريخ .... في الأيام، في كتاب الأردن العظيم النبيل الكبير... ستبقى في أول الصفحة، وسيبقى كتاب الأردن العظيم يشهد لك... أنك كنت الأردني الوفي حين عز الوفاء... رحمك الله يا أبي ومعلمي وقدوتي وصديقي وحبيبي.