سلامة يكتب.. الأردن والسؤال الكبير: إلى أين نحن ذاهبون؟

كتب: ايهاب سلامة


السؤال الكبير الذي بات يلحّ على أذهان الأردنيين اليوم أكثر من أي وقت مضى ويبحث عن إجابة: إلى أين نحن ذاهبون؟

إلى أين يتجه الأردن وسط هذه الفوضى الكونية التي تتقاذف بالعالم صوب المجهول؟ مع فائض من التحديات الداخلية بالغة التعقيد، من تداعيات وباء كورونا وتبعاته على الإقتصاد والعباد، وعجوزات متفاقمة في الموازنة، ومديونية مخيفة قفزت فوق حواجز الناتج المحلي، إلى قطاعات تجارية وصناعية وزراعية وسياحية وإنشائية تتنفس تحت الماء، لمنظومة صحية توشك على الإنهيار، لتعليم شبه معطل، وأوضاع معيشية بالغة الصعوبة فاقمتها قرارات الحظر جراء الجائحة.

هل يملك أحدنا إجابة شافية تهدىء الروع قليلاً، وتبث بشائر مطمئنة، نستشرف منها معالم الطريق الذي نسير فيه ولا ندري إلى أين نحن ذاهبون؟

لقد أوشكت سنة 2020 على إسدال ستارتها الثقيلة المرعبة التي قضيناها نناطح فيروساً قاتلاً غافلنا في لحظة ضعف، وأحكم سطوته على مفاصل الدولة ومن فيها.

قبل كورونا، ونكئه جراحنا المثخنة، كنا نمخر عباب بحر من التحديات الجسام، تتقاذفنا فيه أمواج وتعصف بنا رياح صرصر عاتية، مبحرين على متن قارب متهالك، نجدف بكل ما تبقى فينا من قوة محاولين الوصول إلى بر أمان.

اليوم، نقف أمام واقع كارثي بكل ما تحمله الكلمة من معنى..

صحياً، واصل تفشي الوباء بالصعود نحو ذروته، وبلغت أعداد الوفيات والإصابات أرقاما مخيفة، في وقت أعلن فيه المركز الوطني للسيطرة على الأوبئة والأمراض، أن إصابات الفيروس تجاوزت المليون إصابة، وتسريبات تفيد ببلوغ المستشفيات الحكومية كامل قدراتها الاستيعابية، مع مخاوف حقيقية من انهيار المنظومة الصحية برمتها.

إقتصادياً، عمقت جائحة كورونا الأزمة الإقتصادية بشكل غير مسبوق، وسط توقعات بارتفاع عجز الموازنة بمقدار الضعف، حيث وصل العجز حتى نهاية تموز الماضي رغم المنح المقدمة للدولة، 1.2424 مليار دينار، مخالفاً بذلك تقديرات قانون الموازنة العامة للعجز المتوقع خلال العام بأكمله، والذي قدر بـ 1.0460 مليار دينار.

على صعيد الدين العام، توقع البنك الدولي أن يرتفع على مدى السنوات الثلاث المقبلة إلى 115.2% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع ما نسبته 97.4% في العام 2019.

تجارياً، توشك الحركة التجارية الغوص بمستنقع من الكساد، جراء إغلاقات الحظر التي فرضها تفشي الوباء، وانخفاض مداخيل الناس التي وصل البؤس عندهم ذروته. كما ارتفعت نسب البطالة إلى 23 %، مع توقعات بوصولها إلى 30 % مع نهاية العام.

صناعياً، تعرضت القطاعات الصناعية لصدمة غافلتها على حين غرة، وتكبدت خسائر بالغة أيضاً جراء سياسة الإغلاقات الجزئية والشاملة، ومنها ما اضطر للإغلاق والخروج من السوق، وأخرى تكابد محاولة البقاء واقفة على قدميها.

أما القطاع السياحي الذي كان يدر أموالاً طائلة لخزينة الدولة، وللمنشات السياحية والتجارية، وينشّط حركة السوق، فقد أصبح في خبر كان، ولا يعلم إلا الله وحده متى تخف وطأة الفيروس، لتعاود المعابر والحدود والمطارات العالمية قبل المحلية تعافيها، وتبدأ عجلة دورانها من جديد.

سياسياً، يقف الأردن على عتبات مرحلة يكتنفها الغموض والتحديات، مترقباً معالم سياسات حاكم البيت الأبيض الجديد في المنطقة، عقب إجهاز سلفه على جميع الحلول السياسية المزعومة، ودخول القوافل العربية في حفل تطبيع جماعي مع الكيان الإسرائيلي، على حساب الفلسطينيين والأردنيين، وكذا، يراقب الأردن بقلق بالغ، الجانب الغربي من النهر، الذي يمضي قدماً بتنفيذ سياسات ضم الأغوار، وأراض في الضفة الغربية، ما يعزز مخاوفه لاحقاً من موجات ترانسفير عارمة.

وفي خضم هذه المعمعة قاتمة السواد، أجريت الإنتخابات النيابية بمشاركة شعبية متواضعة، وظروف وبائية فرضت محاذيرها، وأفرزت مجلساً جديداً بأكمله، لا يمتلك غالبية أعضائه خبرات برلمانية سابقة، وأفرغ من أسماء ورموز برلمانية وسياسية وحزبية لم يحالفها الحظ بالعودة تحت القبة، وسط تساؤلات حول قدرة المجلس المنتخب على مساجلة الحكومة، ومراقبة أدائها، وتحمل أعباء التحديات المرتقبة، سيما في ظل قانون الدفاع، ومدى تمكنه من محاولة إعادة الهيبة للسلطة التشريعية التي يفصل بينها وبين الشارع هوة سحيقة.

ما يمكن قوله، أننا أصبحنا اليوم نعيش حياتنا بنمط جديد ومختلف تماماً، في مختلف الصعد، ونقف مشدوهين أمام مشهد مشوش مربك، لا يمكن التنبؤ من خلاله ملامح المرحلة القادمة، لكن، ما يمكن جزمه، أن هذه الحقبة من تاريخ الدولة الأردنية بتحدياتها وتعقيداتها غير المسبوقة، تعد الأخطر والأكثر صعوبة، وتفرض على الدولة رسم خارطة طريق واضحة المعالم، للأيام القادمات من المستقبل، كي نبدد السؤال الذي بات يشغل بال الأردنيين جميعهم: إلى أين نحن ذاهبون؟