التسامح ضمانة أساسية لحماية وتعزيز حقوق الإنسان

جفرا نيوز - يصادف اليوم 16 نوفمبر/ تشرين ثاني من كل عام اليوم الدولي للتسامح والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1996 ، تأكيداً من الأمم المتحدة على أهمية ترسيخ قيمة التسامح وأهميتها لحماية وتعزيز حقوق الانسان، وأكد إعلان المبادئ المتعلقة بالتسامح الذي اعتمده المؤتمر العام لليونسكو في العام 1995 على أن التسامح هو وحده الذي يضمن بقاء الإنسانية طالما كان التنوع والاختلاف أمراً ملازماً للوجود الإنساني وسنة كونية لا مناص منها.
وعلى الرغم من التقدم الانساني المشهود على كافة الصعد ولا سيما الصناعية والتكنولوجية منها، الا أنه لا يزال العالم بأجمعه يعاني من تزايد مضطرد في أعمال عدم التسامح من حيث العنف والإرهاب وتنامي خطاب الكراهية، والنزاعات العدوانية والعنصرية ومعاداة السامية والإستبعاد والتهميش والتمييز على أساس الدين والعرق واللون و إنتهاك حقوق الفئات الاكثر عرضة للانتهاك، وتزايد مستمر في انتهاكات الحقوق المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والمعتقد والفكر والتجمع والتنظيم ولا شك في أنها أعمال تهدد عمليات توطيد دعائم الديمقراطية وتحول دون نجاح عمليات التنمية المحلية.
على الصعيد الدولي
بذل العديد من الجهود على المستوى الدولي ومن كافة الاطراف ولا سيما الأمم المتحدة لتوطيد التسامح كقيمة أساسية وركيزة من ركائز العمل على حقوق الانسان، ولعل ميثاق الامم المتحدة من أهم الوثائق التي اكدت على حماية حقوق الانسان وانقاذ الاجيال القادمة من ويلات الحروب والانتهاكات والسعي الى تعزيزها , وهذا يعتبر مقصد من مقاصد الأمم المتحدة.
كما أن ميثاق اليونسكو المعتمد في عام 1945 أشار في ديباجته الى "من المحتم أن يقوم السلم على أساس من التضامن الفكري والمعنوي بين بني البشر، وتم تبني إعلان مبادئ التسامح بتاريخ 1995 والذي يعتبر وثيقة شارعة تتضمن المبادئ والتدابير التي من شأن العمل عليها الحد من العقبات والاشكاليات التي لا تزال تواجه العالم أجمع في مجال ترسيخ قيم التسامح كضرورة لازمة لإحراز تقدم على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والمدنية.
ولا بد من الانطلاق من إعتبار أن التسامح اتخاذ موقف إيجابي مسبق من كافة القضايا قائم على أساس إحترام حق الآخرين في ممارسة حقوق الانسان، وهذا بعيد كل البعد عما يعتقده البعض من إعتبار التسامح تنازل و تهاون أو تساهل مما قد يبرر التنازل أو السماح بالمساس بحقوق الانسان بداعي التسامح.
وأمام عصر العولمة وإنتشار أدواتها في كافة أرجاء العالم لا بد من التأكيد على ضرورة ان تتبنى الشركات ذات العلاقة بالاقتصاد الرقمي نهج حقوق الانسان في كافة اعمالها وتكريس المبادرات والنشاطات القائمة على أساس التسامح كممارسات فضلى.
وتدعو محامون بلا حدود الى تمتين العلاقة العضوية بين أجهزة ووكالات الامم المتحدة لبناء نهج عالمي حساس لقيم التسامح يتقاطع مع كافة حقوق الانسان المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية يمكن من خلاله قياس الممارسات والسياسات والتشريعات وحساسيتها لقيم ومبادئ التسامح، وهذا يتطلب بالضرورة أن يعهد بذلك الى مقرر متخصص يعنى بالتسامح والبحث جدياً في مدى الحاجة الى تبني اتفاقية دولية لتعزيز قيم التسامح، وبذل العديد من الاجراءات والتدابير لنشر ثقافة التسامح من خلال عقد المؤتمرات او خلق مساحات افتراضية عالمية لنشر افضل الممارسات والتجارب، وتطوير الادلة والادبيات القائمة على ترسيخ وتعزيز نهج التسامح في عمليات التربية والتعليم والتدريب كمحور أساسي لا مناص منه.

على الصعيد المحلي
الأردن كغيره من دول العالم قائم على اساس التنوع والتعددية بذل العديد من الجهود على صعيد السياسات والوثائق الوطنية ولا أدل على ذلك من رسالة عمان للتسامح وتبني العديد من النهج القائمة على أساس التسامح والتي تدعو الى إعتبار التسامح ركيزة أساسية في التعايش بين بني البشر وإعتبار التسامح هو الفضيلة التي تسهم في إحلال ثقافة السلام محل ثقافة البغضاء و الحرب والتهميش والاقصاء.
وظل الأردن على الدوام أسرةً كبيرة واحدة ولا يخفى على منصف في هذا العالم نموذج الاعتدال والتسامح الذي يقدّمه هذا البلد للتعايش الودي في المنطقة والعالم بأسره بفضل المبادئ والمنطلقات التي تم تبنيها على الصعيد الوطني.
ولا شك في أن تعزيز العدل ومبادئ الانصاف يجب أن يكون حاضراً في كافة التشريعات والسياسات والإجراءات القضائية والإدارية دون اي نوع من أنواع التمييز، وفي هذا لا بد من العمل على إتاحة الفرص الإقتصادية والإجتماعية والسياسية لكل شخص بناء على الكفاءة والمؤهلات لضمان عدم تنامي الإحباط والعدوانية والكراهية والتعصب.
ولعل إحترام حقوق الإنسان والعمل على حمايتها وتعزيزها يعتبر من أهم المؤشرات التي تؤكد بموجبها الحكومات سعيها لترسيخ التسامح وعليه لا بد من التصديق على اتفاقيات حقوق الانسان ولا سيما اتفاقية العمال المهاجرين والاتفاقية الخاصة باللاجئين واتفاقيات منظمة العمل الدولية، وبذات السياق العمل على مواصلة الجهود الوطنية لتقديم التقارير الدورية للاتفاقيات المصادق عليها ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية واتفاقية مناهضة التعذيب.
وعلى ضوء ما يشهده المجتمع الأردني من تطورات على صعيد الاقتصاد المعولم وحركة التنقل الدائم والاتصال المستمر وحركات هجرة ولجوء وانتقال للسكان من كافة المناطق الحضرية والريفية على نطاق واسع وتغيير في الأنماط الاجتماعية نكون بأمس الحاجة الى ترسيخ التسامح في كافة مؤسسات التنشئة الوطنية منها المدارس والجامعات ودور العبادة.
وتدعو محامون بلا حدود الى تبني ميثاق إعلامي أخلاقي خاص بالتسامح يتم تبنيه من قبل كافة وسائل الاعلام " الاثير الوطني" إذ تم على مدار السنوات الماضية ارتكاب العديد من المخالفات والتغطيات الاعلامية التي لا تتفق مع جوهر قيمة التسامح وأدت الى اثار سلبية على المجتمع والافراد، مع ضرورة التأكيد على أن حرية الرأي والتعبير ضابط رئيسي في كافة التدخلات والتدابير التي يمكن إتخاذها.
وتشير محامون بلا حدود الى أهمية مراجعة المناهج المدرسية والجامعية لتضمينها دروساً خاصة لتعزيز التسامح بين كافة الاجيال وتأكيد مبدأ التعددية والديمقراطية وحكم القانون كمتطلبات ضرورية ولازمة لذلك، وان تقوم على أساس أن البشر في وجودهم مختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم وهذا لا يحرمهم حق أو ينتقص منه .