ما ارسلناك الا رحمة للعالمين
د. عبدالرحمن البلبيسي
ارسل نبي الرحمة صلوات الله عليه لكي ينور درب الانسانية جمعاء فقال تعالى " و ما ارسلناك الا رحمة للعالمين " رحمة لخلاص الانسان من العبودية لغير الله , و من الاستغلال و التسلط و الاستعمار و الحروب و الاقطاع و دعا القرآن الى حرية المعتقد بان لا اكراه في الدين و الى احترام الكرامة الانسانية , و الايمان بالله و جميع كتبه و رسله , قال تعالى " ( قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون ( 136 ) البقرة .
و على المقلب الاخر نجد ان موقف القيادة الفرنسية المعلن تحت غطاء حرية الصحافة و التعبير تجاه نبي الرحمة و التضييق على المسلمين و التدخل في حياتهم و لباسهم و اماكن عبادتهم هي ممارسات تتناقض و مبادئ الثورة الفرنسية التي دعت الى التحرر من تسلط كهنوت الكنسية واستبداد السلطة و الاقطاع و استعباد الفلاحين و القوى العاملة و كبت حريات المعتقد و الفكر
و لا شك ان من اهم المبررات التي يتخذها الموقف الفرنسي الرسمي هو الصاق تهمة التطرف بالاسلام و المسلمين من خلال جرائم الجماعات الارهابية التي لا تمت للاسلام بصلة و التي تم تنشئتها و تدريبها و تسليحها في اغلب الاحيان من قبل دول غربية كما اظهرت هذه الحقيقة الكثير من التقارير الصحفية , من اجل ايجاد مبررات للاعتداء على بعض الدول و احتلالها و السيطرة على نفطها و مواردها الطبيعية .
اقرت الثورة الفرنسية عام 1789 لائحة حقوق الانسان و دعت الى المساواة بين المواطنين و العدل و حرية المعتقد و اصبحت منارة لبقية الدول الاوروبية و اساسا للدستور الامريكي فيما بعد , فيما يجري الان التعدي عليها من قبل القيادة الفرنسية من خلال التمييز ما بين مواطنيها باظهار العداء ضد المسلمين من خلال السماح بالاساءة لرسولهم رسول الرحمة و من خلال التدخل في مظاهرهم و لباسهم الشرعي و هي مسألة اختيار و حرية شخصية لا يصح لاحد التعدي عليها.
و اننا نشجب التعدي على المواطنين الاردنيين الذين تم الاعتداء عليهما اول امس بينما كانا يتحدثان باللغة العربية , و قد جاء ذلك كنتيجة لخطاب التمييز ضد نبي الاسلام و الاساءة اليه بالرسومات و الذي اثار بدوره مشاعر الكراهية ضد المسلمين في فرنسا.
ان السماح للمتطرفين بالاساءة الى رسول الرحمة هو اهانة للمسلمين و ايذاء لمشاعرهم و زرع لفتيل التفرقة و العنصرية في المجتمع الفرنسي و العالمي , و سوف يؤدي الى ردات فعل كان الاولى على الرئيس الفرنسي و حكومته تجنبها و استخدام الوسطية و العقلانية في التعامل مع موضوع حساس و شائك هو العقيدة الدينية للشعوب , و احترام معتقدات المواطنين الفرنسيين و الاجانب الذين يعيشون على اراضيها . فحرية الصحافة لا تعني التعدي على رموز معتقدات الاخرين , خصوصا و ان الدستور الفرنسي المستند الى لائحة حقوق الانسان يقول انه لا حدً لحقوق الإنسان الواحد غير حقوق الإنسان الثاني , و بالتالي فان حق التعبير و الصحافة بالتعدي على رسول الرحمة قد اصطدمت بحق انسان اخر يعيش في المجتمع الفرنسي او خارجه و تعدت الحد المسموح به طبقا للدستور الفرنسي و حقوق الانسان.
و بنهاية المطاف نطلب من القيادة الفرنسية باسم السلام و العدل و احترام حقوق الانسان تصحيح موقفها و منع الاساءة لنبي الرحمة و ترويج المحبة و التسامح بين المواطنين الفرنسيين و مواطني العالم و تطبيق الدستور الفرنسي القاضي بعدم تعدي المواطنين على بعضهم او على معتقداتهم او على افكارهم طالما انها لا تهدد امن الوطن حتى يستطيع العالم ان يعيش بامن و سلام . كما لا بد من تحرك لمنظمة التعاون الاسلامي من خلال القنوات الدبلوماسية و السياسية و اجراء ما يلزم لضمان عدم تكرار الاساءة لنبي الرحمة و للمسلمين و مخاطبة الوسطيين و العقلانيين للحفاظ على الوئام و السلم الاهلي بين سكان هذا العالم الذي اضحى بلدا واحدا و متشابكا و متصلا .