كيف كانت طقوس أهل عمان القديمة في الإحتفال بالمولد النبوي الشريف؟


*وسط البلد كانت تتزين بسعف النخيل والسجاد العجمي ويعلو الصوت من رحاب المسجد الحسيني: صلوا عليه وسلموا تسليما..

جفرا نيوز - كتب- محمود كريشان

هي عمان الهاشمية الأبية التي تتعطر دوما بأريج الإيمان والروحانية، وقد اعتاد اهلها منذ فجر تأسيس الدولة الأردنية الفتية، على الاحتفال بذكرى مولد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، حيث يستذكر ابناء المدينة طقوسا خالدة للاحتفال بهذه الذكرى العطرة في عمان القديمة.

بلدية عمان والمولد
وبهذا الخصوص يقول المؤرخ عبدالله رشيد: أضفى الشوام على مدينة عمان في فترة ازدهارها الاولى التي بدأت بعد تأسيس الإمارة سنة 1921 طابعا جماليا له مذاق خاص تمثل في احتفالات المولد النبوي.
فيما يقول رضا توفيق الذي كان احد موظفي بلدية عمان، ان البلدية كانت توظف امكانياتها من سيارات ومركبات لنقل اشجار الدفلى والكينا من رأس العين وعين غزال، واشجار النخيل من اريحا لتصنع منها اقواسا تُقيمها في معظم انحاء المدينة، ومن ثم يتم توزيع ما تبقى من هذه الاشجار على الاهالي ليقوموا بتزيين بيوتهم.
ويضيف توفيق: ربما تحدث بعض السرقات في الاسواق التجارية عادة، ولكنه في عيد المولد النبوي الشريف كان التجار يعرضون افخر انواع السجاد امام محلاتهم ويندر ان تُفقد قطعة منها احتراما لذكرى صاحبها النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

سجاد وقهوة
وعلى صلة يقول مأمور اجراء عمان الاسبق المحامي صلاح علي المبيضين، ان تجار وسط المدينة كانوا يعلقون الاغصان والسجاد العجمي فوق متاجرهم ويقدمون القهوة العربية السادة والحلويات لمن يمر من امام الحانوت بالاضافة الى تزيين مداخل المسجد الحسيني الكبير بالاغصان وحبال الزينة والاضاءة في اجواء احتفالية كبيرة ومبهجة بالذكرى العطرة الشريفة.

عراضة شامية
في غضون ذلك.. فيما قال في وقت سابق احد تجار عمان القديمة المرحوم الحاج راتب الشربجي «ابوشفيق»، انه وفي صباح عيد المولد كان الشوام مجتمعين يقومون بتشكيل عراضة خاصة يشترك فيها شبابهم في مبارزات السيوف والدروع ويظهر فيها هؤلاء بطولاتهم وفروسيتهم التي طالما تفاخروا بها، وعندما يحين موعد صلاة الظهر او العصر كان الملك عبدالله الاول بن الحسين طيب الله ثراه يحضر الى المسجد الحسيني لاداء فريضة الصلاة والاستماع لتلاوة سيرة المولد النبوي الذي كان يتلوه المرحوم الشيخ حمزة العربي بصوت رخيم ومن حوله بطانة خاصة تُجيد إنشاد القصائد الدينية، وبعد الانتهاء من الاحتفال داخل حرم المسجد كان موظفو البلدية يقومون بتوزيع الحلويات على الحضور، واذا ما خرج الملك عبدالله الاول الى ساحة المسجد كانت فرقة موسيقات القوات المسلحة تطوف شوارع المدينة تصدح انغامها مع حركات اعضاء الفرقة الرشيقة، وفي المساء كان المدرج الروماني يضج بأعداد هائلة من المتفرجين الذين حضروا لمشاهدة الدبكات الشعبية والمبارزات الشامية.

 
أشهر مقرئي المولد
من جهته اشار د. زيد احمد المحيسن الى انه قد ورد في كتاب ملامح الحياة الشعبية في مدينة عمان، ان الشيخ احمد خالد القضماني وهو من مقرئي المولد النبوي في مدينة عمان القديمة قد روى كيفية التقاليد التي كانت متبعة في قراءة قصة المولد فيقول: يبدأ الاحتفال بقراءة ايات من القران الكريم ومن ثم انشاد قصيدة دينية، ومن المعروف ان قصائد المولد عبارة عن اشعار بسيطة موضوعة لا تتعلق بالفولكلور حيث انها مجرد اقوال دارجة تُقرأ بطريقة عامية، ومن بعض ابيات هذه القصائد: على بيت الله على نوره ياما حن القلب اليه ورسول الله راح ازوره يا حبايب صلوا عليه حُبك يا نبي في فؤادي واملي ونور عيني وزادي وفي سبيلك سبت بلادي يا حبايب صلوا عليه والكعبة اللي قصدناها وسبنا بلادنا لرؤياها ورسول الله حياها يا حبايب صلوا عليه.

أناشيد وموشحات
امام ذلك.. يؤكد الحاج المهندس خلدون سالم العقايلة صائغ في شارع فيصل وسط المدينة انه وفي هذه المناسبة العطرة يحرص المواطنين على التواجد في المسجد الحسيني، انه وبعد ذلك كان الشيخ حمزة العربي يبدأ بتلاوة سيرة المولد وبين كل فقرة كان الشيخ القضماني ينشد بعض الابيات ومن بين هذه القصائد التي كانت تتخلل قراءة المولد: سلام على من سار ليلا الى العلى، وكان له جبريل من أطوع الخدم، سلام على من شق جبريل صدره صغيرا، ولم يشكُ الى الناس من ألم.
وعن المناسبات التي من اجلها تقام الموالد فيقول: يندر ان يقام عرس في المدينة دون ان يقرأ فيه المولد، هذا بالاضافة الى قضاء النذور وتخّرج الطالب في الكُتاب وولادة الاطفال.

مجمل القول.. ستبقى عمان الأبية.. عريقة بتشبثها بعبق الماضي.. وتبقى مسيجة بالروحانية والتقوى والإيمان و:
غنيت مكة أهلها الصيد و العيد يملؤ أضلعي عيدا
فرحوا فلألأ تحت كل سما بيت على بيت الهدى زيدا
وعلى اسم رب العالمين علا بنيانه كالشهب ممدودا
يا قارئ لقرآن صل له، أهلي هناك وطيب البيدا
Kreshan35@yahoo.com