ذكريات الفيسبوك.. حالة شعورية ترصد تغير شخصية وأفكار أصحابها

جفرا نيوز – في ظل التطور الكبير التي تشهده مواقع التواصل الاجتماعي، وكثرة أعداد روادها يوما بعد يوم وسيطرتها على أوقاتهم، واحتلال جزء ليس بالبسيط من حياتهم بات الجميع على يقين تام من أن هذه المواقع وتحديدا الفيسبوك تختزن بعضا من أفكار ومشاعر وقناعات أشخاص يجدون فيها متنفسا لهم، فينثرون كل ما يشعرون أو يؤمنون به عبر تلك الصفحات، لتتحول بعد ذلك لذكريات تعاود حضورها سنويا من خلال إشعار يظهر لتنبيه صاحب الصفحة بموقف ما أو عبارة تصف حالته آنذاك أو رأي معين تجاه قضايا عامة تعكس نبض الشارع.

وتتباين هذه الذكريات، فبعضها مفرح وإيجابي نسعد باسترجاعه، وبعضها الآخر قد يكون مؤلما وحزينا وقاسيا، وربما لم يعد يتواءم مع شخصيتنا وقناعاتنا بعد مرور كل تلك السنوات.

الثلاثينية ميس تجد نفسها تغيرت كثيرا، وخاصة عندما تقف أمام ذكرى معينة تشاركتها مع أصدقائها عبر صفحتها على الفيسبوك، تقول الكثير من الأفكار والقناعات والتصرفات تتغير بمرور السنوات، لافتة إلى أنها هي اليوم لا تشبه نفسها قبل عام تجارب وخبرات مرت بها أثرت فيها حتما وأعادت تشكيلها من جديد.

ميس وبعد كل الانعطافات والتعرجات التي صادفتها في حياتها ترى أنه من الأفضل لها أن تكون أكثر غموضا وتكتما من قبل. مبينة أنها تعلمت جيدا كيف تخفي أسرارها عن الآخرين، وتجعل جانبا من حياتها على الأقل بعيدا عن الناس.

وتوضح منتقدة نفسها أنها تحرص اليوم على ألا تكون كتابا مفتوحا يمكن للجميع قراءته لذا تتجنب أن تفصح عن مشاعرها وتنثر ما بداخلها على مثل هذه الصفحات مؤكدة أنها نضجت كثيرا وأصبحت شخصية انتقائية وحذرة تعي جيدا نوعية المنشورات التي من الممكن أن تشاركها مع أصدقائها.

أما عمر صالح، والذي يعتبر منصات التواصل الاجتماعي وسيلة لنشر آرائه الشخصية تجاه قضايا كبيرة وحساسة في المجتمع يقول هناك لحظات تجبرنا على الوقوف قليلا والتفكير بكل ما نطرحه أحيانا على الملأ أهمها معاودة ظهور ذكرياتنا على الفيسبوك التي كنا قد شاركناها الآخرين في وقت من الأوقات ونتيجة لموقف حدث معنا أو مع غيرنا.

ويبين أنه وبعد تعرضه لانتقادات مسيئة وهجوم من قبل بعض الأصدقاء على صفحته قرر أن يكون أكثر حذرا، يفكر جيدا بما يريد نشره، معتبرا أن الحرية في التعبير عن رأيه باتت مقيدة جدا، وتحت المجهر، وهناك من يسعد بأن يصطاد بالماء العكر، ويفسر كل ما ينثر على هذه الصفحات حسب مصلحته الشخصية وبعيدا عن الحياد والموضوعية.

ويؤكد أنه أصبح ينتبه كثيرا لكلماته حتى لا يساء فهمها، وتتحول صفحته إلى ساحة حرب يطلقون من خلالها الشتائم، ويبثون أيضا سموم أحقادهم في تعليقات الأجدر بها أن تحترم الرأي الآخر مهما كان مخالفا، وفيه شيء من الصراحة، مشيرا إلى أنه بات يتجاهل الكثير من الذكريات التي تظهر له باستمرار عبر صفحته، وأحيانا كثيرا يلجأ إلى حذفها حتى لا يتذكرها ثانية لشدة الألم التي سببته له في يوم من الأيام.

ويرى الأخصائي الاجتماعي محمد جريبيع أن ذكريات الفيسبوك لها أثر إيجابي وآخر سلبي، وهي سلسلة من الأفكار والمشاعر والقناعات التي تشكل جزءا كبيرا من شخصياتنا، ورغم أنها تتغير باستمرار تبعا لحصيلة المواقف والأحداث التي نتعرض لها، إلا أنها في مرحلة من المراحل تكون انعكاسا لكل ما كنا نؤمن به ونريد مشاركته مع من حولنا. موضحا أن بعض هذه الذكريات قد يكون سببا في إيقاظ مشاعر معينة ربما نسيناها أو ألهتنا عنها مشاغل الحياة وهي قد تكون حزينة وقد تكون مفرحة وفي كلتا الحالتين يعيدنا هذا النوع من الذكريات إلى تلك اللحظة تحديدا بكل تفاصيلها.

ويلفت إلى أن ردة فعل الناس تختلف من شخص لآخر أمام استرجاع هذه الذكريات، فهناك من يفكر بحذفها وبالفعل يلغيها تماما من حياته، أما النوع الآخر فيفضلون الاحتفاظ بها كما هي، ومهما كانت الحالة الشعورية التي تخلقها في نفسيتهم فقط لكونها تراكم لخبراتهم وتجاربهم ولحظات حقيقية لن تتكرر.

ويذهب الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن ميزة استرجاع الذكريات في الفيسبوك تخلق حالة من الحب والحنين والروحانية لتلك اللحظة، وهي على تباينها بين الفرح والحزن والغضب والقسوة والثقة والحماس والإحباط ترصد تطور شخصياتنا وأفكارنا.

ويضيف، كما أنها تمنحنا الفرصة لتذكرنا بأنفسنا كيف كنا نفكر، وما هي القناعات التي كنا نؤمن بها، وإلى أي درجة نضجنا وأصبحنا لا نشبه أنفسنا في تلك الفترة. مبينا أن هذه الذكريات وبكل ما تحمله من مشاعر وآراء كانت جزءا منا حتى وإن تغيرت، وهي قد تبعث في النفس السعادة والحياة والثقة، وأيضا قد تكون سببا في استحضار الحزن والألم والخوف والقسوة، كذلك. 

الغد