ماذا بعد؟!
جفرا نيوز - ليث ماجد الحباشنة
في ظل الحملات الأمنية التي شهدتها المملكة في اليومين الماضيين والتي تهدف لإلقاء القبض على مطلوبين وأصحاب السوابق، فلا بد من تسليط الضوء على ما سيلي تلك الحملات الأمنية من خطوات عملية لقصقصة أجنحة الجريمة وضمان الأمن المجتمعي حالاً ومستقبلاً، لذلك لابد من الخوض في موضوع مهم ألا وهو السجون ودور ومراكز الاصلاح في المملكة.
الغرض العقلاني الوحيد للسجن هو "كبح جماح الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم عنيفة، ومساعدتهم في الوقت ذاته على تغيير سلوكهم والعودة إلى المجتمع بعد التعافي"، برأي في صحيفة نيويورك تايمز كتبه أستاذ الطب النفسي جيمس جيليجان، ، وحيث ان الفكرة الاساسية من إنشاء السجون ودور ومراكز الاصلاح هي فصل مرتكبي الجرائم عن المجتمع بالدرجة الاولى وذلك لضمان استمرارية الحياة الطبيعية للافراد، و بالدرجة الثانية معاقبة مرتكب الجرم و إصلاحه وتأهيله تهيئةً لإعادته للمجتمع بشكل طبيعي و كعنصر منتج وفعال ومساهم في التطور، إلا أن ما تشهده دور ومراكز الإصلاح والسجون في الأردن هو مأساة محاطة بأسوار عالية ومكان لتجمع أصحاب السوابق والمجرمين، وبالتالي فإنها بهذا الشكل تورد في كل يوم عدد من المجرمين الذين يتتلمذون على أيدي متخصصة في الجريمة، كما انها لن تشكل رادعاً للمجرمين حيث أن أكثرهم إعتاد عاى التواجد فيها وبمجرد خروجه سيعود للمجتمع الخارجي بعلاقات اجرامية أكبر وفكر إجرامي متطور، كما أن المجتمع المحيط
سيتحاشى مواجهة شخصية مثل هذه لما تحمله من سمعة سيئة وسلوكيات خارجة عن المألوف وببساطة لأن مثل هذا الشخصية لم يعد لديها ما تخسره وبالتالي سيعود المجرم للمجتمع أقوى بعد الحبس أو الإعتقال.
بالاشارة الى قول الروائي الشهير أنطون تشيخوف "ليس السجناء وحدهم هم الذين يكتسبون خشونة وتشددًا؛ نتيجة العقاب البدني الذي يتعرضون له، ولكن أيضًا كل من شارك في تنفيذ هذا الفعل أو شاهده". لا شك بأن المجرم يحتاج الى تقويم وتصحيح ولقد القى القانون هذه المسؤولية على عاتق السجون ودور الإصلاح، وأن عمليتي التقويم والتصحيح لا تنفصلان عن العقاب فلابد من أن تكون جميعها مقترنة بدراسات مجتمعية من شأنها إلقاء الضوء على المشاكل الاجتماعية وسبل حلها والتأكد من عدم مضاعفتها وتفاقمها، ولابد لغايات إنجاح الإصلاح المجتمعي أن تتعاون جهات أخرى مع السلطة التنفيذية ممثلة بالاجهزة الامنية في ادارة شؤون السجون ودور الاصلاح والتوقيف بهدف تنظيمها داخلياً والسيطرة على مخرجاتها، ومن تلك الجهات على سبيل المثال لا الحصر، مؤسسات التدريب المهني ومؤسسات التعليم وجهات متخصصة بالطب النفسي وعلم الاجرام والتي لا بد ان يكون على سلم أولوياتها اعادة تأهيل النزلاء والعمل على تمكينهم بمهارات أو مهن تساهم في استقامتهم عند إعادتهم للاندماج في المجتمع لضمان عدم سلوكهم المسلك الجرمي مجدداً مع الأخذ بعين الاعتبار أن تنوع الجرائم التي يدخل بسببها الناس السجون بحاجة الى تنوع في برامج وأدوات الإصلاح، وهناك تجارب دولية عديدة قد لاقت نجاحاً وتقدماً في هذا المجال حيث يمكن أن توفر برامج إعادة تأهيل نزلاء السجون ودور الاصلاح عوائد للدولة إذا نجحت في خفض معدلات عودة السجناء إلى الجريمة. على سبيل المثال ما حققته ولاية نيفادا الأمريكية في الفترة من سنة 2008 إلى سنة 2009 من انخفاض في أعداد النزلاء في السجون بنسبة 1.6%، الأمر الذي كان مردوده توفير 38 مليون دولار للخزينة، دون اغفال لتوفير الولاية نفقات اضافية على بناء منشآت الاحتجاز ومصاريفها بلغت قيمتها 1.2 مليار دولار.
كما تبنت ولاية مينيسوتا الامريكية برنامجاً تأهيلياً يسمح لنزلاء السجون بالانخراط في العمل في المجتمع مع اقتراب موعد إطلاق سراحهم الأمر الذي ثبتت فعاليته في خفض معدلات الانتكاس، وزيادة فرص العثور على عمل خلال أول عامين من الإفراج عن النزلاء بواقع الضعف مقارنة بالسجناء الذين لم يكتسبوا أي خبرات مهنية في أثناء فترة العقوبة. وبالتالي فقد امتد أثر البرنامج التأهيلي ليساهم في تخفيض احتمال انتكاس النزلاء الذين المشاركين في برامج التأهيل بنسبة 16%، وقلت احتمالية عودتهم إلى السجون بنسبة 17% مما انعكس على معدلات الجريمة في الولاية.
كثيرة هي تلك البرامج الاصلاحية التي نجحت في خفض معدلات الجرائم ومنها ما يدور حول تعليم المساجين وتأهيلهم مثل برنامج محو الأمية المالية للسجناء في إثيوبيا، الاتصال بالإنترنت داخل السجن في بلجيكا، القراءة من أجل الحرية في ايطاليا، تصميم الأزياء لتقليل فترة العقوبة في البرازيل، العمل خلال أيام الأسبوع في سلوفينيا، العمل والدراسة وراء القضبان في الأوروجواي، دراسة السجناء وتعليمهم مجانًا في الهند وبرنامج تطبيق الحد الأدنى للأجور داخل السجن في بولندا.
كما تعددت ايضاً برامج تأهيلية للمساجين حول العالم تتبع منهجيات أخرى ضمنت نتائج ايجابية تلخصت بأن التعليم والتأهيل في السجون يساهم بالحد من العنف والجريمة ومنها ما يستعين بمستشارين نفسيين ورجال دين والتركيز على الجانب النفسي، واخرى تتمحور حول استعادة العافية الجسدية والعقلية من خلال برامج رياضية ونفسية كان لها أثر ملموس أيضاً في الحد من الجريمة.
واخيراً وليس أخراً، من المؤكد أن برامج إعادة التأهيل لها تكلفة مبدئية، لكنه من الواجب على صناع السياسة والمشرعين الأخذ بالاعتبار بأن مخرجات هذه البرامج تساهم بشكل كبير بالحد من عودة النزلاء إلى الجريمة، كما تساهم برفد الضرائب للدولة على المدى الطويل، وعلى ضوء ما سبق، فإنه فإن فوائد برامج إعادة التأهيل في السجون ودور ومراكز الاصلاح، تؤثر حتماً بخلق اقتصاد أفضل، ومجتمع أكثر أمانًا، بما يتفوق بكثير عن تكاليفها المادية.