كريشان يكتب: هذه الدموع برعاية فاين..!

جفرا نيوز - محمود كريشان

في امسية عمانية اعتيادية كان "عقيل" خلالها يتحصن في ركن هادئ تطل شرفته على شارع بسمان في مطعم الكت كات الشهير وسط المدينة "طبعا".. وبالطبع كان عقيل خارج السيطرة وهو يخضع لتأثير جرعة زائدة من الكونياك الاردني بدون كحول.. "سريع الاشتعال" المخصص للتصدير! في غضون ذلك صفن مطولا وهو يتأمل بشاعرية بائسة صورة مصطفى وهبي التل "عرار" وهو يضع خده على يده او يده على خده.. ليسترسل عقيل في استعادة شريط "ذكريات من عمر فات" عندما تشابكت المحطات القديمة في مخيلته، رغم انها لم تكن مترابطة وكانت اشبه بالمثل الدارج: العرس بناعور والطخ بقفقفا!!.

تلك الليلة كانت أشبه بـ"تحضير الارواح" او"التنويم المغناطيسي" والذاكرة تنعطف نحو الغناء الساحلي للفرقة القومية المصرية أيام التلفزيون الابيض والاسود في رائعة: شكشك مرزوقة تعالي جنبي!.. ايضا علكة "بابا لشز" وماجي مكعبات وجولد ستار وتوب تونتي.. إيما ودورادو ورقم 10 في سحبة "البلالين" ولحمة الخاروفين الصفراء وبلابيف اكسترا وكبريت الامين وشماغ البسام وسينما زهران والنشرة الجوية "علي عبندة".. وغالب الحديدي وابراهيم شاه زاده محمد امين سقف الحيط وشويكار نور جنبلاط وسوسن تفاحة وعدنان الزعبي ونداء النابلسي ومحمد الطراونة من مجلس الامة وقصة فخري قعوار "حتى لا تزعل سوزي"!.

المحطات في ذاكرة "عقيل" ازهرت بموائد الطعام البحري "Seafood" وامتدت نحو سردين ميلو المغربي بعلبته الصفراء وطن "صن بل" وسردين على بندورة.. بل وذهب الى كوكو عاشور باعتباره منتج وطني تقليد للشوكلاتة الانجليزية الشهيرة "باونتي" بجوز الهند.. وفارس عوض، مالك ماضي، محمد وهيب، روحي الصفدي، محمد عواد، ثم الى خالد كركي رئيس رابطة الكتاب، ورئيس الوزراء احمد عبيدات يعلن عام 1984 القبض على "جيش محمد" بقيادة ليث شبيلات ويعقوب قرش.. والباشا طارق علاء الدين يهزم "ينال حكمت" في التنس الارضي عصام عريضة مدير مدينة الحسين للشباب، ونادي الجيل الجديد والجزيرة الشياطين الحمر والرهوان وغسان جمعة، اليماني، التلي، باسم مراد الثعلب، عصام الشربجي، هاني صبحا، وليد قنديل، سهل غزاوي، منير مصباح، غازي الياسين وليد مولا.. وراتب الداوود ايضا.

بيت القصيد ارتشف "عقيل" ما تبقى من كأسه وقد توقف عند شيفرة غريبة تمثلت في سرفيس العبدلي خط رقم 7 وكان موقفه خلف سوق الذهب بوسط البلد وما كانت تتضمنه محطات ذلك الخط الحيوي من مفاصل سيادية عسكرية مثل كلية الشرطة ونادي ضباط الامن العام والقيادة العامة ومكتب عمان "الامن العسكري" وشعبة التجنيد.. وبطبيعة العشق المبنى الذي كان يشمخ زاهيا "العمارة الزرقاء" او "فندق ابورسول".. المخابرات العامة طبعا.

عقيل استرسل اكثر وهو يرد طرف شماغه فوق كتفه وهو يتذكر موكب قائد الجيش الباشا حابس المجالي عندما كان يخترق العبدلي وصولا الى منزله بجوار دوار الداخلية وصوت البساطير يهدر والجنود يقومون بتأدية التحية العسكرية بوقار ومهابة.
امام ذلك قال عقيل بصوت منخفض جدا جدا .. العبدلي صارت "عابدين" وعواد باع الارض والمصنع انحرق وصوت عبده موسى يلعلع في اغنيته الشهيرة: نزلن على "السي تاون" يا عنيد يا يابا تسوى هلي وكل "العصابة"!.

فجأة سالت دموع عقيل وظهر على الشريط الاخباري عبارة: هذه الدموع برعاية فاين!!

Kreshan35@yahoo.com