جنود مجهولون ومظلومون
جفرا نيوز- كتب ابراهيم عبدالمجيد القيسي
كثيرون؛ في المجتمع وفي الدولة، لا نسمع عنهم ما يجب ان نسمعه، وقليلون منا يقدّرون بموضوعية ما يقوم به هؤلاء لخدمة الناس والمجتمع والدولة..
علاوة على ما نعرفه عن جهود الحكام الإداريين وموظفي الداخلية في المحافظات والمتصرفيات التابعة لوزارة الداخلية، فقد ازدادت واجباتهم أثناء الجائحة، وسهروا وما زالوا، ولا يذكرهم احد بما يستحقون، ولا تكافؤهم الدولة على جهودهم الإضافية، بل هم فئة من الموظفين (مضروبين بحجر كبير)، ويتعرضون للانتقاد أكثر من أقرانهم في القطاع العام، ورواتبهم وحوافزهم لا تقارن قياسا مع حجم وأثر جهودهم.
لو تقاعس هؤلاء الموظفون عن أداء واجبهم، لقفزت أرقام وإحصائيات الجريمة والخلافات بين الناس الى عدة أضعاف، ويكفي ان تذهب إلى واحد من مراكز محافظات المدن الكبيرة، أو إلى المتصرفيات التابعة لها، وتجلس في أي مكان تراقب أعداد المراجعين، وإن أنت جلست على مقربة من مكتب المحافظ أو المتصرف، أو في مكتب يتابع معاملات المراجعين.. فلن تحتاج لمن يقنعك بأهمية دور المحافظ في حل خلافات الناس، وتجنيبهم وتجنيب القضاء عبئا خرافيا من القضايا والخلافات، التي يحسمها الحاكم الاداري في يوم، ويرضى الأطراف (المحترمين)، فتنتهي خلافاتهم.
الشاب الموقوف يقول: تم دفع المبلغ، وأنا مستعد لحل الخلاف اليوم فور إطلاق سراحي.
وتلك المرأة جاء دورها بالحديث:
يا سيدي بنتي عمرها ١٨ سنة، ويهددها والدها بأنه سوف يصحبها يوم الخميس الى بيت جدها، وسوف يطلق النار عليها، وشاهدني وأنا أسجل حديثه للبنت....الخ.
أما هذان الشقيقان، فقد قال الأول: نعم استدرجت البنت الى بيتنا، وصورتها في أوضاع ما، ولم أعط الفيديو لشقيقي كي يبتزها من جديد..
وما زال الدم يجري في عروقهما وعروق والدهما، الذي يطالب المحافظ بإخلاء سبيلهما، معتقدا أن الخطر الذي يهددهما يأتي من توقيفهما وليس من حريتهما التي ستجعلهما عرضة لانتقام أهل البنت.
حتى هذه السيدة، ساقها الغضب على زوجها أن تفصح للحاكم الاداري عن تصوير زوجها لها أثناء لقائهما في غرفة نومهما! وهو الآن أصبح يهددها ان هي طلبت الخلع!!.
وهذه الأخرى التي تخلفت ٦ أشهر عن دفع أجرة السكن تجيب الموظف:
انت وين عايش؟!! إحنا بزمن كورونا والناس مامعها تاكل .. قالت هذا ردا على مطالبة صاحب الفيلا التي تستأجرها.. يعني (هالمدام) ما معها تاكل لكنها تستأجر "فيلا" (٦٠٠ دينار شهريا)!!.
بينما كأنه سعيد؛ ولا ينبس ببنت شفة، هذا الرجل الذي لا يجيد التعايش مع الناس إلا في السجون، ويفعل بمن يصادفه كل ما يمكنه فعله منذ اليوم الأول لخروجه من السجن.
هل لأحد أن يحدثني عن نفسية الموظف الذي يسمع ويناقش يوميا ١٠٠ الى ٣٠٠ قصة من هذا النوع؟! ..
أنا شخصيا جلست في مكتب أحد المتصرفين لمدة ١٠ دقائق فسمعت كل هذا، وعند كل قصة من قصص الناس، كنت أشعر بالخجل، وأخرج من الجلسة بلا استئذان، فمن ذا الذي يطيق سماع كل هذه الحكايات؟!.
لكن؛ يسمعها الموظف والمتصرف والمحافظ في مراكز الحكم الاداري، وذلك على الرغم من أن هذا المحافظ ونوابه وموظفوه، مضى عليهم ٧ ليال متتابعة على الأقل خلال الشهر الأخير، كما كل الأشهر التي سبقته منذ بداية "عام الكورونا"، ينامون على هذه الكراسي البالية، ويستأنفون عملهم المذكور صباح اليوم التالي.
محافظ العاصمة؛ قرر قطع يومي إجازته الوحيدة منذ العمل بقانون الدفاع، حين سرت الإشاعات بأن الرجل لا يتواجد بمكتبه لأنه مصاب بالكورونا!! الأمر الذي دفعه لقطع الإجازة والعودة للمكتب، الذي كان يقيم فيه على امتداد أكثر من شهر ولا يلتقي أبناءه، بسبب حجم الضغط والمسؤولية والواجب.
يقول أحد المحامين:
لو التغى دور الحاكم الاداري في حل نزاعات الناس، لتقاعد القضاة وعزفوا عن العمل بسبب حجم القضايا التي ستردهم، فالحاكم الإداري يتولاها، ويحلها في دقائق، ويضيف: إن هؤلاء الموظفين يخجلوا من ذكر مقدار رواتبهم، ولو تم احتساب أوقات دوامهم الإضافية -كغيرهم يعني- لكانوا في صدارة موظفي الدولة بالنسبة لحجم الدخل، لكنهم يقوموا بكل هذا بلا مقابل، حتى المكافآت الضئيلة راحت عليهم وقت الكورونا..!.
وأضفت إلى كلامه:
بل هم يقدموا هذه الجهود والتضحيات، ويغيبوا عن أبنائهم وبيوتهم أسابيع، وعلى الرغم من هذا فلا أحد منهم "خلصان" من الانتقاد والتشكيك.
...وما زالت القافلة تسير .. إي والله تسير.