السلوك الاستهلاكي.. اقتصار الشراء على الضرورات في ظل حالة عدم اليقين

جفرا نيوز- يجمع خبراء في علم الاقتصاد والاجتماع على أنه كان لجائحة كوورنا انعكاس على السلوك الاستهلاكي والقرارات الاقتصادية للأفراد، حيث باتوا خلال الأشهر القليلة الماضية أسرى للخوف والتشاؤم وحالة عدم اليقين التي تسود العالم، كما أنهم أسرى لقدراتهم المالية والاقتصادية خصوصا مع تراجع مداخيلهم.
ومن وجهة النظر الاقتصادية يشير الخبراء إلى أن تراجع المداخيل لدى الأفراد كان عاملا رئيسيا في قرارات الاستهلاك، حيث كان لتسريح العمال وتخفيض الرواتب أثر واضح وأساسي في هذا المجال.
أما من وجهة نظر الاجتماع فإن هذه الجائحة كونت حالة من العزلة الاجتماعية بين الأفراد الذين بدأ كل شخص فيهم يبحث عن وسيلة لانقاذ نفسه من الأوضاع الاقتصادية الضاغطة، كما أوجدت هذه الجائحة "روحا اجتماعية” تتسم بالخوف والتوتر وحالة من الترقب المستمر.
ويعرف سلوك المستهلك بأنه التصرفات والأفعال التي تصدر من الشخص المستهلك، ويسلكها في عملية الشراء سواء أكان ذلك أثناء التخطيط لها أم تنفيذها أم تقييمها بعد التجربة.
ويشرح دكتور علم الاجتماع حسين الخزاعي، بعض مظاهر السلوك الاستهلاكي للمواطنين من حيث تراجع الطلب على بعض المواد، وتغير الأولويات بأن هناك ما يسمى بـ”الروح الاجتماعية”، التي تسود مجتمع أو جماعة ما في ظروف معيّنة، موضحا بأنّ هذه الروح هي التي توحد اليوم المجتمع الأردني، وأنّ هذه الروح التي أوجدتها ظروف الجائحة سمتها الأساسية الخوف من المستقبل والقلق والكبت والتوتر وفقدان الأمل.
كما أوجدت نوعا من "الإنعزاليّة” لدى الأفراد حيث أنّ كل شخص بدأ يواجه مشاكله لوحده، ويحاول إيجاد حلول لنفسه ولأسرته.
ويشير الخزاعي إلى أنّ أكثر المجتمعات تأثرا بالوضع الاقتصادي وآثار كورونا الاقتصاديّة كانت المجتمعات الناميّة ومنها العربيّة لأنّها الأضعف، حيث ظهرت على السطح قضيتان أساسيتان الأولى الأمن الغذائي، والثانية الأمن الصحي، خصوصا أنّ هذه المجتمعات كانت أصلا بما في ذلك حكوماتها تعيش "كل يوم بيومه” ولم تعتد أخذ احتياطاتها أو التفكير في أمنها في هذه النواحي في المسقبل.
ويضيف الخزاعي أنّ المجتمع الأردني تضرر اقتصاديا شأنه شأن العالم نتيجة للركود الاقتصادي، وهذا يتضح من الزيادة الكبيرة في أعداد من قدموا على دعم الخبز، ودعم عمال المياومة، وزيادة أعداد طالبي المعونة. مشيرا إلى أن دراسة لليونيسف كانت قد أشارت إلى أنّ 68 % من العمالة الأردنية فقدوا وظائفهم.
ويوضح أنّ الأردنيين اليوم يتسلحون بحكمة "خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود” وهذا ينعكس على سلوكهم اليومي حيث انخفض الانفاق على الكثير من السلع وبات هناك أولويات في قرارات الشراء، كما باتوا أكثر انعزالية واعتمادا على النفس في مواجهة أوضاعهم الصعبة.
وهو يرى بأنّ أخطر ما في الموضوع هو أنّ الحاجات الأساسية للأردنيين اليوم لم تعد الصحّة أو المرض، بل لقمة العيش، حيث بات "توفير الغذاء أمله وله أولوية على الصحة” وهذا سبب في تفشي المرض بسرعة أكبر.
وبيّن أنّ المواطنين اليوم انتقلوا من ما يسميه علماء الأمراض من رتبة الـ”جائحة” إلى "توطن المرض”، وهذا ينعكس على المجتع الأردني اليوم حيث أنّ الأفراد بدأوا يتعاملون مع كورونا كمرض متوطن ويتعايشون معه، ولم يعودوا يخافون منه كما كان في البداية حيث بدأوا يغلبون توفير لقمة عيشهم على صحتهم، متنبئا بـ "أنّ مشاكل الأردنيين في المستقبل القريب ستكون عن الجوع وليس الفقر”.
ويرى الخزاعي أنّ الحكومة لم تفلح في تهيئة المجتمع لمرحلة التفشي المجتمعي، معتبرا هذا "سقطة حكومية” حيث كان لا بدّ من البداية أن يتم تهيئة المجتمع ووضع خطط قبل الوصول إلى حافة التفشي المجتمعي.
ويرى وزير تطوير القطاع العام الأسبق الخبير الاقتصادي الدكتور ماهر المدادحة، أنّ جائحة كورونا أربكت المواطن من حيث الحركة والتوقعات، وساهمت في تأجيل الكثير من القرارات، سواء كان ذلك على مستوى المستهلك المحلي أو في العالم.
أما على مستوى الاقتصاد الكلّي فقد أدت الجائحة إلى تباطؤ في النمو بسبب توقف قرارات الاستثمار أو تأجيلها، وتأخر الجدوى الاقتصادية لكثير من المشاريع، وقد أضعفت هذه الجائحة حركة رؤوس الأموال وحتى الأفراد وبالتالي قرارات الشراء.
ويشير المدادحة إلى أنّ مراكز الدراسات والمؤسسات الدولية تجمع اليوم على استمرار التباطؤ الاقتصادي في العالم نتيجة الجائحة، وتؤكد على ضرورة ايجاد حلول تنسجم مع الوضع الحالي، مضيفا أنّ سياسات الحكومة باتت موجهة نحو محاربة الفيروس على حساب الجانب الاقتصادي الذي لم يعد ذا أولوية.

ويؤكد المدادحة على ضرورة أن يكون التفكير والتخطيط في مواجهة الأوضاع الاقتصادية الناجمة عن الفيروس بنفس المستوى ومتوازية مع الآثار الصحية، خصوصا مع استمرار الركود والتراجع الاقتصادي، وما ينجم عنها من فقر وبطالة.

واتفق الخبير في شؤون المستهلك وأمين سر جميعة حماية المستهلك سابقا الدكتور عبد الفتاح الكيلاني، مع ما سبق فهو يرى بأنّ قرار الشراء عادة ما يرتبط بالدرجة الأولى والاساسية بالقدرات الاقتصادية للأفراد، فتراجع الاستهلاك يرتبط بالدرجة 
الأولى بالقدرة المالية والاقتصادية للفرد، فإذا كان الوضع الاقتصادي ضاغطا فإنّ هذا سينعكس بالتأكيد على قرارات الاستهلاك.

ويوضح الكيلاني أنّ السلوك الاستهلاكي للمواطن اختلف في ظل جائحة كورونا وذلك بسبب انخفاض الدخول بالدرجة الأولى.
أما الجانب الثاني لهذا القرار فهو الوضع العام الصحي، حيث أنّ انتشار المرض كون حالة من الخوف لدى الأفراد وتغيرات على السلوك اليومي أوّلها الحركة والاتصال، والتي هي جزء أساسي في قرارات البيع والشراء، موضحا بأنّ "التباعد الاجتماعي” وتقليل التواصل بين الأفراد أدّى إلى تراجع الطلب.

الغد.