البحث لا زال مستمراً عن خليفة للرزاز.. والنقاشات مستمرة وما هي نصيحة المخضرم زيد الرفاعي بهذه المرحلة ؟
جفرا نيوز - : "زحف" إجراءات الاستحقاق الدستوري يتحول إلى نمط من "تجليات" خلط الأوراق التي ينتجها الفيروس كورونا في الملف السياسي الأردني الداخلي.
لماذا يعبر يوم الخميس كاملاً دون "حسم" الاستحقاق الدستوري المتمثل في إقالة حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز وتكليف رئيس وزراء جديد يعبر بالمرحلة إلى يوم الانتخابات البرلمانية في العاشر من نوفمبر المقبل؟
لذلك أسباب بعضها ينطوي على "وجاهة بيروقراطية" وبعضها الآخر له صلة بلحظة الحقيقة الاستراتيجية العميقة، حيث سلسلة مداولات وأحداث وتطورات تظهر مجدداً كلفة ما حذر منه سابقاً رجل الدولة المخضرم زيد الرفاعي قبل عدة سنوات في مقر كلية الأركان وبعنوان.. «وضع القيادة في سياق خيار إستراتيجي واحد دوماً يرقى إلى مستوى الخيانة».
«تشخيص مصلحة الدولة والوباء» على الطريق ونبوءة الرفاعي عن خيار استراتيجي واحد تتحقق
مقولة الرفاعي المحنك - وهو منذ سنوات خارج القرار ويتقاعد بهدوء ودون صخب وبثقة - يمكن استدعاؤها لتقييم المشاورات المعقدة التي تجري حالياً خلف الستارة والكواليس بعد قرار "حل مجلس النواب" الذي يعني أو يفترض أن يعني تلقائياً ترحيل حكومة الرزاز وتشكيل حكومة جديدة.
« لا يوجد بديل جاهز ومؤهل عن الرزاز».. تلك عبارة تبدو غريبة عن السياق المؤسسي الأردني، لكن الأطر القيادية في الدولة مجدداً وجدت نفسها في عمق مفارقة الرفاعي وعلى مدار "أسبوع ساخن" من النقاشات خلف الكواليس ضمن فعاليات هوس البحث عن "خليفة مناسب" للرزاز، لا يتحول بدوره وفي توقيت مغرق بالحساسية، إلى "حاجز معيق" للخطة الوحيدة التي تمأسست الآن في الاشتباك مع الفيروس كورونا و"لا يساعد" في خطة بديلة.
المخاوف هنا كبيرة من أن يكون "خليفة الرزاز" بصرف النظر عن هويته وملامحه السياسية، مصراً على "مساحته الشخصية" في انتقاء الوزراء وفي إعداد خطط جديدة مجهولة باسم المعركة مع تداعيات الفيروس.
ذلك من حق أي رئيس حكومة مكلف عملياً، لكن القلق أكبر من جزئية لا تخطر في ذهن إلا رموز الحرس القديم المفعمين بالخبرة، وتتمثل في أن الوضع الفيروسي والاقتصادي، ولاحقاً السياسي والإقليمي "قد لا يحتمل" تخصيص وقت كبير لـ"تدريب وتأهيل" رئيس الوزراء الجديد وسط نزاعات وصراعات وتجاذبات وأحياناً اختلافات لا يمكن إنكارها حتى داخل أو في عمق "خلية الأزمة" ومسارها السيادي.
وهنا تبرز المشكلة الأعقد؛ فبعض "الجهات السيادية" لا تزال مقتنعة أن "بديل الرزاز" سيكون "مرهقاً" فيما بدأ الفيروس كورونا يسجل آلاف الإصابات يومياً ويهدد النظام الصحي، ومقتنعة أن الرزاز الذي ينص الدستور أصلاً على رحيله قبل انتهاء دوام يوم غد الأحد، توفرت لديه الآن كل الخبرة البيروقراطية المطلوبة في تفاصيل مواجهة تداعيات كورونا، والأهم "لا يحتاج إلى تدريب" ولديه مساحة مرنة من "الخضوع البيروقراطي برغبة" للمنطق الأمني والسيادي عندما تتطلب مقتضيات الأزمة وخلاياها وتحت عنوان..«بديش افتعل مشكلات مع المؤسسات».
في مثل هذه الحالة قد يكون «إلغاء» النص الدستوري الذي يوجب رحيل الحكومة التي يحل مجلس النواب في عهدها أولوية من حيث المراجعة لاحقاً، لأنه يقلص من خيارات الانتقاء الاستراتيجية في لحظات مماثلة.
وهنا حصرياً «ترف» لا يسمح به الوقت ولا تسمح به مقتضيات الدستور حتى عندما يكون «عدم توفر بديل مقبول» عن الرزاز هو مشكلة «إجرائية أو إستراتيجية» بحد ذاتها، تدفع في اتجاه منطق الاستثمار الأمثل ولأطول فترة ممكنة بالهوامش الزمنية التي يتطلبها الاستحقاق الدستوري.
وعليه، ثمة من يقدر في المستوى الأعمق أن «استبدال الرزاز» الآن نمط عبثي ومعيق، وثمة من يؤكد أن «البديل» لا يزال وحتى عصر الجمعة مسألة تثير النقاش، الأمر الذي يعتقد أنه السبب في بقاء الرزاز لكامل الأسبوع الذي يتيحه له الدستور بعد حل المجلس والسبب في ظهور «عقدة البديل أو الخليفة».
وهنا تحديداً، يذكر أحد أركان حكومة الرزاز أن القيادة أظهرت بوضوح رغبتها في التغيير عندما تقرر حل مجلس النواب، ودون ذلك تبقى مجرد اجتهادات.
لكن على الأقل «البطء» في إجراءات رحيل الحكومة وبقائها حتى «آخر لحظة» يسمح بها الدستور، له بتفسير واضح وملموس الآن؛ فالاستحقاق الدستوري زمنياً فرض بصماته، فيما لم يكن الطاقم الاستشاري في الدولة العميقة «منتبهاً» للتفاصيل، والتراتب الزمني لإجراءات الدستور ونصوصه أصبح واقعاً موضوعياً بدون الانتباه لضرورة وجود وتوفر «خطة متكاملة» تحدد البدلاء مسبقاً وتحسم خيارات التغيير الوزاري.
وهي خطة تكون في العادة منتجة وفعالة أكثر لو أن الطبقة السياسية والبيروقراطية غير منقسمة على ذاتها ولا تتنازعها مراكز قوى وتجاوزت أعراض وأورام منطق «أزمة الأدوات».
إن كان ذلك المعطى يعكس «تبايناً في وجهات النظر» بين المؤسسات العميقة، فهو الآن - وسط تساؤلات الشارع عن خلفية وأسباب تأخر رحيل الرزاز وحكومته - يعكس لحظة نادرة جداً في السياق الدستوري الأردني، وقوامها لحظة الحقيقة والصدام بين «استحقاقات الدستور» ومقتضيات غياب الطهي الاستراتيجي طويل الأمد.
والأهم أنه، بصرف النظر عن تفصيلات وكيفية وتوقيت رحيل الرزاز وإحضار «خليفته» ثمة ما يثبت أن مركز الأزمات لا يستطيع العمل والإنتاج في ظل استمرار «تنازع الصلاحيات وتعدد المرجعيات» في ملف ينبغي أن يحسم الآن بعد رحيل الرزاز وكورونا، وأن الحاجة لم تعد ترفية لإقامة مؤسسة بحثية سيادية عميقة تعمل بصيغة مستقلة تماماً وعلى طريقة «تشخيص مصلحة النظام والبلاد» ولها علاقة بعد الآن حصرياً بملف الأمراض والأوبئة والفيروسات.. ذلك أيضاً مسألة تحتاج إلى وقت خارج منطق «الأزمة في إدارة الأزمة».
وأيضاً، ثمة ما يثبت في المشهد الختامي عمق عبارة الرفاعي الأب عندما يتعلق الأمر بكلفة واقعية لوضع «أي قيادة» في ظل خيار إستراتيجي واحد وبدون بدائل احتياطية.
«القدس العربي»