الحكومة القادمة (ما لها... وما عليها)


جفرا نيوز- بقلم: العميد المتقاعد باسم الحموري
بالرغم من أن كثيراً من الأمور - السياسية خاصة - لم تعد تلفت نظر الأردنيين، كما هو الحال لدى كثيرٍ من أفراد الشعوب الأخرى، حيث بات تأمين لقمة العيش والحفاظ على الصحة والسلامة الشخصية "والذهنية" في ظل الظروف الحياتية – النادرة والعجيبة - التي يعيشونها هو ما يؤرقهم ويضج مضاجعهم، إلا أن حدوث تغيير وزاري يظل بارقة الأمل التي تتجدد لدى معظمنا – إن صحّ التقدير - كلما لاح هذا الأمر في الأفق أو اقترب موعده، وحالياً.. لا يفصلنا عن استقالة الحكومة الحالية وتغيير رئيسها سوى أيامٍ معدودات.
ووفق حديث رسولنا الأكرم – صلى الله عليه وسلم - بأن "من لا يشكر الناس لا يشكر الله"، لا بد من الإشارة للجهود التي بذلتها حكومة د. عمر الرزاز والإشادة بها، حيث شُكلت هذه الحكومة - بكل تعديلاتها- في ظروفٍ صعبة وقاسية جداً، ورغم ذلك كانت المحاولات مستمرة للإبقاء على سير مركب الوطن في الاتجاه الصحيح، أو الاتجاه البديل المقبول "غالباً".  
وكما هو الحال دائماً.. كان الكل يراقب، والكل ينتقد ويُنظّر من بعيد، البعض ينقد عن اختصاص ومهنية وموضوعية ورغبة في المصلحة العامة الفُضلى، والآخر ينتقد لأجل الانتقاد الذي أصبح في زماننا هذا عادة يومية ليس إلا، ولكن نجاحات هذه الحكومة حدثت مراراً وتكراراً، وحصلت على الثناء والغزل من أفراد الشعب قبل المسؤولين، وتم من قِبَلها فتح الكثير من الملفات المغلقة - التي لم تجرؤ الحكومات السابقة على فتحها - والعمل عليها بقوة. وبالمقابل حدثت الإخفاقات والتخبطات والاجتهادات، متأثرة بالواقعين الداخلي والخارجي، ومؤثرة في نفسية المواطنين، ومتسببة بزلزلة ثقتهم بحكومتهم ورئيسها.
ورغم أن الحكومة القادمة مدة صلاحياتها ربما تكون محدودة بمرحلة معينة، وتشكيلتها "كوزراء" قد تختلف - أو لا تختلف - عن الحكومة الحالية، إلا أنه يجب أخذ حساسية اختيارها – رئيساً وأعضاء - والمسؤوليات الجسام المُناطة بها للمرحلة القادمة على محمل الجّد من قبل المعنيين بهذا الاختيار.
المنطق والحكمة يقولان إن الفهم والنظر "بإمعان" يجب أن يكونا لجوهر التغيير وأهميته، والأسباب التي دعت إليه، فالوزراء كأشخاص ينضمون للمجلس الوزاري ويغادرون، بما لهم وما عليهم، ولكن هموم الوطن وقضاياه الراكدة تبقى قائمة، ويتم ترحيلها مراراً وتكراراً وعبر الحكومات المتلاحقة، وبالتزامن مع استمرار سخط الشعب وذكرهم بالسوء لمن تسبب من الوزراء أو المسؤولين - اللذين تقلدوا المناصب بعهدهم وتحت رعايتهم - بعدم حلها، واعتبروا مناصبهم تشريفاً لا تكليفاً، وهم كُثرُ. 
 وعلى الأمل بتكليف وقدوم سياسي محنك وقائد فذ كرئيسٍ لمجلس الوزراء القادم – والأردن يزخر بمثله – لا بد وأن يكون هذا المكلف قادراً على تحمل المسؤوليات الجسام التي تتطلبها المرحلة الصعبة التي نمر بها جميعاً، وأن يمتلك الكفايات والمهارات اللازمة لاختيار فريقه الوزاري الذي سيشاركه - وبدرجة أكبر- في تحمل المسؤوليات بعناية. ومن المعروف والبديهي أن طبيعة تشكيلة الفريق الوزاري، وخلفيات أعضائه العلمية والعملية تُعطي مؤشرات أولية على أن الحكومة الجديدة لديها القدرة على قيادة شؤون الوطن نحو بر السلامة، بإذن الله تعالى.
 وكما يعرف الجميع... فإن التحديات التي تواجه وطننا الأردن كبيرة، داخلياً وخارجياً، اجتماعياً خلقياً، تعليمياً وصحياً، اقتصادياً وسياسياً وحتى دينياً. إرثٌ قديم من الهموم والقضايا تسبب فيه ترهل وإهمال وتنفّع أفرادٍ من حكومات متعاقبة، وقراراتٌ خاطئة لم تجد من يسمع شكاوى المواطنين لآثارها السلبية عليهم، وعجزٌ مالي ومديونية نتجتا عن عدم وجود رؤيا واضحة ومُلهمة لكثيرٍ من المسؤولين أو فساد بعضهم أو كليهما معاً. فقرٌ وبطالة متصاعدان، يعاكسان حقيقة ما نحن عليه كأفراد شعب ذوي همة وعزيمة وقوة إرادة، وذوي طاقاتٍ شبابية وأخرى ناضجة وذات خبرة موازية لها.
المطلوب – أو المأمول – على الصعيد الداخلي، وعلى سبيل المثال لا الحصر، وضع خطط منهجية وفق دراسات وأبحاث علمية، تكون قابلةً للتنفيذ، وليست للاستهلاك الإعلامي أو الترويج والتلميع الشخصي للمسؤول، بحيث تشمل القضايا الداخلية العامة والحساسة والعالقة والمعيقة للسير قدماً في بناء الوطن والتوظيف العملي والاقتصادي والمشروع لثرواته، قضايا مثل الفقر والبطالة، ضعف أو سوء التمكين وارتفاع نسبة القيادات الضعيفة، ضعف المتابعة والتفتيش، زيادة وتنوع الضرائب والغلاء المعيشي، استمرار القيام بالمشاريع الوطنية الخاسرة، نهب مقدرات وثروات الوطن، انتشار الفساد المالي والأخلاقي، والترهل الإداري، والامؤسسية وما يتبعها من مزاجية المسؤول في إدارة مؤسسته،  تغول الشركات الخدمية على المواطنين مثل (شركات الاتصالات ، والكهرباء والمياه )، الخصخصة وأثرها على الخدمات المقدمة من حيث الجودة والكلفة، توفير شبكات أمان اجتماعي من خلال توزيع الخدمات العامة (المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية والتأمين الصحي الشامل كمثال)، ضعف خدمات  قطاع التعليم بشقيه "العام والعالي"، ومشكلاته الواقعية الكثيرة لا الصورية أو المحصورة بموضوع وحيد يتم التركيز عليه دائماً وهو شهادة الثانوية العامة، ضعف خدمات القطاع الصحي وتحول بعض خدماته الحكومية المقدمة للمنتفعين إلى خدمات خاصة لغير المنتفعين، وتحت مظلة العائد المادي المنشود، إضافة لمتطلبات مكافحة جائحة كورونا والتي لا يعلم متى تنتهي أو تتم مكافحتها إلا الله،...الخ !!!  
وعلى الصعيد الخارجي، يواجه الأردن الكثير من التحديات والضغوطات للتنازل بشأن صفقة القرن، إضافة للأوضاع غير المستقرة في الدول المجاورة وغيرها من دول العالم العربي والإسلامي والتي تلقي بظلالها على الشأن الداخلي للأردن، ما يتطلب حنكة عالية وأداءً دقيقاً ومتميزاً من قبل الحكومة المؤقتة القادمة، أو الحكومة التي تليها.
ليس الانضمام للمجلس الوزاري أو لرئاسته بالأمر الجميل أو المفضّل بالنسبة لمن يتفهّم ما يعنيه حمل الأمانة والمسؤولية، ويفكر جدياً بالعمل وحل قضايا الأمة والوطن وهمومه، لكنه أمرٌ ممتع ورائع - بل ويتم السعي خلفه - لمن لا فرق عنده بين إدارة شؤون منزله الصغير وإدارة وطنٍ بأكمله، وليس الأمر هنا سيان - رغم أهمية إدارة شؤون العائلة – لأن الوطن كبير وهمه أكبر، واحتياجات مواطنيه والمقيمين فيه واللاجئين لحماه أكبر وأكبر، وهناك حاجة لكل ثانية من وقت المسؤول، وكل فكره من عقله، وكل عاطفة من قلبه، وكل ذكرى من ضميره، وكل ذرة من حكمته، وكل سدادٍ في رأيه، وكل قوة ٍفي قيادته.
أنعم الله علينا بحكومة، ورئيس حكومة ممن يفكرون، ويتحملون، ويقيّمون، ويقدرون، ويعززون، ويطورون، ويبتكرون، وفينا الله يتقون، ولا يخافون في الله لومة لائم.