ما الذي يطارده هذا الاعلام؟!
جفرا نيوز - كتب - ابراهيم عبدالمجيد القيسي
حين تعتمد وسائل الاعلام على (عاطلين عن العمل)، وتلقي على اكتافهم مهمات اعلامية، فهي في الواقع تلقي على اكتاف الدولة أعباء إضافية، ليس فقط برواتب هؤلاء الذين قد يعملون في وسائل إعلام تابعة للدولة، بل تلقي الأعباء على الدولة حرفيا، حين تقوم محطات التلفزة او الصحف بتكليف هؤلاء الغشيمين بإعداد تحقيقات أو تقارير ميدانية أو استقصائية أو حلقات اذاعية وتلفزيونية، وهم لا يتمتعون لا بمهنية ولا يعلمون شيئا عن أخلاقيات العمل الصحفي وقل آدابه أيضا، ولن نتحدث عن خلفيتهم الثقافية الوطنية او القانونية، و(خلي الذكاء والبراعة على جنب) فهي نادرة اليوم مثل الذهب.
لا أتحدث عن خبر او تقرير قرأته أو تم بثه على أية شاشة أو عبر أي أثير، بل اتحدث عما شاهدته على ارض الواقع في إحدى الوزارات، حيث صادفت جانبا من نقاش بين مذيعة او معدة برنامج تلفزيوني تعمل ضمن فريق و(معهم كاميرات وميكروفونات)، وتحاول المذيعة أن تحقق (خبطتها الصحفية العظيمة) من الحلقة او التقرير الذي قالت عنه بأنها ومنذ ساعتين (كاملات طبعا)، وهي تحاول ان تجد جوابا على اسئلتها، وهي في الواقع تريد إجابة كأجوبتها التي في دماغها، حيث تريد توصيل فكرة تتلخص في أن المؤسسات التابعة للدولة (تتلاوم) وتتنصل من مسؤولياتها، وكانت تلك الفتاة ترفع صوتها وتتوعد المسؤول: أو بحكي انها الوزارة رفضت الاجابة .. وهذا داء العظمة والأهمية حين يجتاح الضئيلين، قال؛ وكأنه المتلقي المتسمر بانتظار عصفها و(خبطاتها) والجهات الراصدة وربما الإقليم كله، لن ينام أحد منهم ليله بعد مشاهدة التقرير والسبب أن الوزارة رفضت الاجابة، بينما لا يدرك هؤلاء زأنه بسبب ضحالتهم وسخافتهم ورداءتهم أصبح الناس لا يثقون بأي كلام لا يشتم المؤسسات أو يشكك فيها.
ومن بين الاوراق التي يتم إلقاؤها هنا وهناك قرأت في ورقة، تقريرا يتضمن ارقاما، وفهمت بأنه تقرير من مختبر، فيه ارقام ونسب لتحاليل مخبرية، فسألت مختصا يقف بجانبي، فقال كلها ارقام ونسب عادية ومقبولة ولا مثير فيها، فقلت لماذا اذا كل هذه الجلبة هنا، أجابني نحن نجيب ضمن مسؤوليتنا وصلاحيتنا وحدود اختصاصنا، وهذا المختبر وعلى الرغم من ان نتائج اختباراته طبيعية، إلا أنه مختبر لم توافق الوزارة على اعتماده، وكل الأسئلة التي تناقشها المذيعة معنا ليست ضمن اختصاص ولا مسؤوليات وزارتنا، ولا نعلق على تقارير مختبر لم نوافق أساسا على اعتماده، حتى وإن كانت نتائج فحوصاته تؤكد سلامة إجراءاتنا.
معنى الكلام:
لا يوجد موضوع مهم او مثير او خارج عن المألوف، ولا خبطة ولا ورطة اعلامية ولا قصة تلفزيونية تجلب اثارة، القصة هي مجرد معدّة أو مقدّمة برنامج تلفزيوني، تريد ان تخرج على مشاهدي قناتهم الفضائية باستنتاج او مقابلات صحفية، مع مسؤولين من مؤسسات مختلفة، يتحدث احدهم لينهي كلامه بأن (مش شغلنا..روحوا اسألوا مؤسسة او وزارة كذا)، وهنا يقوم المعدّ بتأليف فقرات تحليقية وتحليلية تلبي رغبتهم وترضي طموحهم، و(يدحش) المخرج بينها تلك اللقاءات المسجلة مسبقا مع المسؤولين الذين لا يجيدون الحديث عن وظائفهم ومهامهم، ولو كان البرنامج او الحلقة بثا مباشرا ويتواجد الضيوف كلهم، لكان الأمر أسهل، لكن هذا لا يخدم طلاب النجومية الغبيّة، ولا يرضى طموح من يريد ان يوصل فكرة (مؤسسات الدولة تتلاوم وتتنصل..الخ).
ان كانت مشاهدة الفضائيات تصنع وعيا او تجلب معلومة وتبني فكرة فأنا دخلت نفق الأمية منذ وقت، حيث لا أشاهد التلفزيونات.. لا برامجها ولا نشرات اخبارها ولا تقاريرها، وحين أشعر بأن الشعب والميديا تجتر بل (تتقيأ) قضية يتعاضم الضجيج حولها، وحتى افهم القصة، أقوم بالبحث عن المعلومة وفق ادواتي وخبرتي الشخصية المتواضعة، اقول بأن امكانياتي متواضعة وأمية وفاشلة مقارنة بقدرات الموظفين الجدد الذين تسلقوا هذه المهنة العظيمة من امثال من صادفتهم هناك.
وفي هذه المقالة اقدم لكم معلومة هي ليست صدفة بالنسبة لي، بل قناعة:
بأن الرداءة والهبوط والسطحية صارت سمات أداء في جزء كبير من اعلامنا الذي بات يخلو من مضامين وطنية وقانونية وأخلاقية، يشرف على ترويجها موظفون وسياسيون وصل فسادهم وهوائيتهم حدا من الخطورة لا يقل عن خطورة عدو يتربص ببلد ليجهز عليها.
غير هؤلاء وهذا الاعلام من يهرول بنا الى القاع ودروب الضياع؟!.