التصويت الإلكتروني فكرةً واعدة
جفرا نيوز - د . نواف عواد بني عطية
دكتوراه في القانون الدولي الخاص / جامعة عين شمس – مصر
التصويت الإلكتروني هو مباشرة الحـق الـسياسي فـي الإنتخابـات واختيـار المرشحيــن مــن خلال استخدام تقنية المعلومــات بدلًا من الطرق التقليديـــة كـاوراق وصنــاديق الاقتراع ، ومن ثم تخزين النتائج في انظمة الحاسب الآلي وفق معايير فنية وامنيـة معينة لتحقيق اقصى درجات الشفافية والدقة والأمن مما يضمن نزاهة العملية الإنتخابية
لعل مصطلح " الفضاء الإلكتروني Cyberspace هو المصطلح الأكثر تداولاً في عالم الحاسوب والشبكات والبرمجة اليوم، فالفضاء الإلكتروني أو كما يطلق عليه ” الفضاء السيبراني ” هو ذلك الوسط الذي يضم مجموعة ضخمة من الشبكات في مكان واحد ، لقد كان من نتائج التقدم التكنولوجي وافرازات العولمة حتمية توجه كل نظام سياسي قائم نحو إيجاد الآليات الإدارية الكفيلة بتحقيق رضا المواطن و تقديم خدمات ذات نوعية و بأسرع وقت ممكن و في إطار التنظيم القانوني المتاح ، وهو ما دفع اغلب الدول إلى التوجه نحو فكرة عصرنة الإدارة و المؤسسات العمومية بهدف تحسين الخدمة العمومية وترقيتها .
هذا الهدف يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتوفير البيئة الرقمية digital environment التي تساعد على تفعيل الإدارة الإلكترونية من خلال ترقية المجتمع من صورته التقليدية إلى مجتمع معلوماتي دون المساس بالقيم و التقاليد المجتمعية وهو ما يشكل تحديًا واضحًا أمام السلطات السياسية في سبيل بلوغ تعميم الإدارة الإلكترونية على كافة المستويات
على الرغم من أن مصطلح «نظام التصويت الإلكتروني Electronic voting Systemقد يبدو للوهلة الأولى مصطلحًا حديثًا ، فإنه في الحقيقة تم استخدامه بشكل علني منذ عام 1838، ففي ذلك العام قامت حركة (Chartism) في المملكة المتحدة البريطانية بالمطالبة بتوفير الحق المدني في التصويت للانتخابات البرلمانية، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الملكية، وأعلنت عن طريقة إلكترونية للتصويت عن طريق ماكينات اقتراع تعمل ميكانيكيًا وذلك لضمان النزاهة والسرعة في التصويت. وفي الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2000 تم استخدام النظام نفسه، وأحدث التصويت بتلك الطريقة ضجة واسعة، وسط مخاوف من «التلاعب» بسبب عيوب في تصميم الاستمارة الإلكترونية.
وفي ظل التطور التكنولوجي الحديث والثورة العلمية الرقمية أصبح من الضروري مواكبة هذا التطور والتخلي عن التقليدية بكافة صورها ، ساعد على ذلك ايضًا ما فرضته الظروف الطارئة والمتمثل في جائحة (كورونا covid 19 ) التعليم عن بعد ، سواء في المدارس أو الجامعات ، وهو ما سبقه عن (التحكيم الإلكتروني) ، واجراء سير المحاكمة عن بعد ، والدفع الإلكتروني وغيرها الكثير ..
وهناك مجموعة من المزايا التي يوفرها نظام التصويت الإلكتروني، أبرزها أنه يساعد على مضاعفة أعداد الناخبين، لكونه يسمح للناخب بالمشاركة في العملية الانتخابية وهو في منزله، أو أثناء ممارسة عمله اليومي، كما أنه يساعد في توفير تكاليف عملية الاقتراع، حيث يتم إلغاء التعامل الورقي، ما يخفض أيضاً عدد العاملين في العملية الانتخابية، وخاصة في مرحلة الفرز التي يقوم بها الحاسب الآلي، وبالإضافة إلى ذلك، يرى بعضهم أن هذا النظام يحد من عمليات التزوير.
كما أنه يساعد نظام التصويت الالكتروني في الحصول علـى تـصويت القـاطنين فـي الخـارج ، فضلًا عن امكانية حفظ وتخزين بيانات في اكثر من موقع اصلي وبـديل، بالإضافة الى سرعة معالجة البيانات واستخراج النتائج مما يساعد في اتمام العملية الانتخابيـة بكفاءة وبإطلاق النتائج بسرعة قياسية بالرغم من تعقيدات العملية الانتخابية . فهنا نكون أمام تطبيق دور ( الحكومة الإلكترونية ) والتي تعرف وفقًا للأمم المتحدة بأنها : استخدام الإنترنت والشبكة العالمیة العریضة لإرسال معلومات وخدمات الحكومة للمواطنین
ولعل هاجس الخوف من إجراء العملية الانتخابية أن يتم تهكيرها أو السيطرة عليها والتلاعب فيها؛ أو الخوف من انقطاع النت ، فإنه لا شك أن أمر حماية البيانات على الفضاء الإلكتروني ليست أمرًا سهلاً ، فمن الممكن أن تتعرض إلى الانتهاك من خلال الفيروسات الإلكترونية التي بإمكانها أن تتلف نظامًا بالكامل ، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا إذا لم تمتلك أنظمة حماية قوية ، ومبرمجين على أعلى مستوى يستطيعون التصدي لأي انتهاك من قبل المخترقين" الهكر"
إلا أن هذه الأسباب لا تشكل مبررًا مستساغًا في عدم إجراء العملية الإنتخابية الكترونيًا ، فمن الممكن معالجة هذه الإشكاليات من خلال تزويد نظام الهيئة المستقلة للانتخابات بنظام حماية الكتروني متكامل ، يكافح عمليات الاختراق المختلفة ، ويكافح دخول الفيروسات إلى النظام الإلكتروني الخاص بالهيئة المستقلة للانتخابات ، فضلًا عن اختيار كلمات مرور قوية ، واستخدام نظام التشفير الخاص والعام مما يشكل حصنًا منيعًا من هجمات " الهكر"
لقد جاء المشرع الأردني بوضع قانون المعاملات الالكترونية رقم 85 لسنة 2001 ثم الغى هذا القانون بقانون رقم 15 لسنة 2015 الساري المفعول بالتأكيد على أهمية تطبيق المعاملات بالطرق الإلكترونية وجاءت المادة الثانية منه بتعريف المعاملات بأنها أي اجراء يقع بين طرف أو أكثر لإنشاء التزام ... سواء كان يتعلق هذا الاجراء بعمل تجاري أو مدني أو يكون مع دائرة حكومية
وعرف المعاملات الإلكترونية في نفس المادة بانها المعاملات التي تنفذ بوسائل إلكترونية . وقد تضمن هذا القانون العديد من المصطلحات التي يمكن من خلاله حماية العملية الانتخابية اذا تمت الكترونيًا مثل التوقيع الالكتروني ونظام المعلومات وشهادة التوثيق الالكتروني وجهة التوثيق الالكتروني والمفتاح الخاص والمفتاح العام
كما جاءت المادة 3/أ من نفس القانون ان احكام هذا القانون تسري على المعاملات التي تتم بوسائل إلكترونية ومن ضمنها " العملية الإنتخابية الكترونيًا " ، كما اجازت المادة (الرابعة) بأنه يجوز لأي وزارة أو مؤسسة رسمية عامة أو مؤسسة عامة أو بلدية اجراء معاملاتها باستخدام الوسائل الالكترونية
وقد انفرد المشرع بوضع عقوبات صارمة في المواد ( 24 ، 25 ، 26، 27) على كل من يخالف هذا القانون
وهذه دعوة الى مشرعنا بوضع نظام قانوني خاص للعملية الانتخابية عندما تتم الكترونيًا ، من خلال الإستفادة من النصوص القانونية في قانون الانتخاب الأردني وقانون الهيئة المستقلة للانتخابات وقانون العقوبات الأردني وقانون المعاملات الالكترونية رقم 15 لسنة 2015 ، والنظام المعدل لتعليمات الدعاية الانتخابية لعام 2020 .