وزير التخطيط الاسبق سيف يناقش قرار الحكومة إعادة احتساب المديونية
جفرا نيوز- تتجه وزارة المالية على ما يبدو إلى إعادة النظر في كيفية احتساب المديونية انطلاقا من مبدأ توسيع مفهوم الحكومة من اطار "المركزية” إلى "العامة”، وهذا يعني ببساطة البدء بالنظر إلى المؤسسات العامة كافة والشركات المملوكة للحكومة على انها جزء من الحكومة بحيث يتم الأخذ بعين الاعتبار جانبي المطلوبات والموجودات لتلك المؤسسات بما في ذلك الديون السيادية المترتبة عليها والموجودات المتوافرة لديها، ومن شأن هذا التغيير في المنهجية اظهار الصورة الكاملة للحكومة، وهذه منهجية مطبقة في العديد من دول العالم بحيث تصبح الموازنة وارقامها تعكس الصورة العامة ولا تخفي تفاصيل تتعلق ببعض المؤسسات والشركات المملوكة للدول أو المستحقات المترتبة عليها.
إلى هنا لا يوجد خلاف على المنهجية، إذا كان هدفها إضفاء المزيد من الشفافية على البيانات والأرقام، والخلاف يصبح على أي المؤسسات التي ينطبق عليها التعريف، وكيف سيتم التعامل وتعريف مفهوم الدين العام سواء كان محليا أو خارجيا، المؤسسة الأهم مثار الخلاف والتي ستغير من معادلة حساب الدين في الأردن هي مؤسسة الضمان الاجتماعي، فهي حسب التعريف القانوني مؤسسة عامة ذات طبيعة خاصة، وأموالها مكفولة من قبل الحكومة، ولتلك المؤسسة موجودات تقدر بالمليارات، فعندما تستدين الحكومة من الضمان، هل ندخل في الحسابات فقط المديونية ام نأخذ بعين الاعتبار موجودات الضمان لكون تلك المؤسسة بالأساس مكفولة حكوميا، هل ننظر الى جانب المطلوبات ونغفل جانب الموجودات؟ هذا هو جوهر إعادة احتساب المديونية على اعتبار ان الاستدانة من بنك تجاري ترتب عبئا ماليا خالصا، لكن مؤسسة الضمان وضعها مختلف. والقصة ليس لها علاقة بكون الدين محليا ام خارجيا كما أشار البعض، فالدين يترتب عليه التزامات لا بد من الوفاء بها.
عمليا وفي نشرة المالية العامة لشهر نيسان (ابريل) الماضي التي تصدرها وزارة المالية بدأ الفصل ما بين المديونية وما بين مستحقات الضمان الاجتماعي على الحكومة، ووفقا لبيانات تلك النشرة فقد ارتفعت مديونية القطاع العام منذ العام 2016 من حوالي 26.1 مليار دينار الى حوالي 31.1 مليار دينار بنهاية العام 2019 لتتجاوز نسبة المديونية 100 بالمائة من الناتج، وتقدر نسبة الدين المحلي من اجمالي المديونية بحوالي 60 في المائة، وتبلغ حصة الضمان الاجتماعي منها حوالي 35 في المائة بما يعادل حوالي 6.5 مليار دينار، وهذا هو الرقم الذي يمكن ان تنخفض فيه المديونية حال اتباع المنهجية الجديدة ، وهو سيخفض نسبة الدين العام الى الناتج لتصبح حوالي 80 بالمائة.
فهل يمثل هذا في الواقع انفراجا ماليا من شأنه توسيع الهامش المالي وتمكين الحكومة من الاستدانة، ام أن هناك معايير أخرى يجب ان تكون جزءا من المنهجية الجديدة التي نشر البنك وصندوق النقد الدوليان في شهر نيسان (ابريل) من هذا العام ورقة مشتركة حولها وضعت اطارا لمفهوم الحكومة العامة وكيفية احتساب البيانات المتعلقة بها والمؤسسات والشركات التي يجب ان تخضع لذلك التعريف.
ليس هناك خطأ في اعتماد مفهوم الحكومة العامة ولكن مؤسسات التصنيف الائتماني التي تصدر تقييمها الدوري للأردن لن تغير تصنيف الأردن لأننا غيرنا من منهجية حساب الدين أو الناتج المحلي الاجمالي، فهناك عدد من المعايير الأساسية التي يتم تقييم الأردن في الأسواق الدولية بناء عليها أهمها قدرة الأردن على الوفاء بالالتزامات المالية المحلية والخارجية، ويتم النظر إلى مؤشرات مثل عبء المديونية ونسبته من اجمالي إيرادات الحكومة المتحققة، أو ما هي النسبة من الناتج المحلي الاجمالي، كذلك يتم النظر الى الاحتياطيات بالعملات الأجنبية وكم تغطي من المديونية المقومة بالعملات الأجنبية، ما هي آجال الدين وفترات الاستحقاق، يضاف إلى ذلك البيئة الاقتصادية وتوقعات النمو وتدفقات الاستثمارات الأجنبية وغيرها من مؤشرات الاقتصاد الكلي والتي بناء عليها يتم تحديد أسعار الفائدة المترتبة على أي قروض جديدة، وسوق المال العائم على سيولة رخيصة لا يعني توافرها للأردن بفوائد متدنية.
يجب أن لا تقتصر الحسابات الجديدة على مؤشر واحد لتحسين الصورة بل وضع صورة متكاملة تعكس بواقعية قدرة الأردن على التوسع في الاستدانة والسداد محليا وخارجيا وربط الاستدانة أيا كان مصدرها بالنفقات الرأسمالية التي تراجعات خلال السنوات الأخيرة على الرغم من ارتفاع المديونية.