ليس كل ما يلمع ذهب
جفرا نيوز- كتب: الدكتور محمد عدنان الحموري عضو هيئة التدريس في إدارة الأعمال الدولية
يعد عالم الاعمال عالم كبير ومخادع، تلجا فيه بعض الشركات في بعض الأحيان إلى تزييف الوقائع والحقائق والعبث بها للوصول إلى نتائج تبدو جيدة ومرضية وتحقق أرباح ومكاسب على المدى القصير، ولكن على المدى الطويل ستكشف الحقيقة بأن بعض تلك الشركات مضللون ومخادعون، وما يقوموا به يعتبر غش وتحايل لخداع المجتمع، وسيؤثر بدوره على أداء وسمعة تلك الشركات، ولحسن الحظ عالم الأعمال مليء بالنماذج والامثلة والحالات الدراسية التي من الممكن الإطلاع عليها ودراستها والتعلم منها في هذا المجال لتفادي أي أخطاء من الممكن أن تكلفنا الكثير من الناحية المالية والمعنوية في المستقبل، ومن أهم تلك الامثلة بنك ويلز فارغو الأمريكي، يعتبر درس يعكس مدى قوة الثقة والشفافية في التاثير على عالم الأعمال، من خلال ما عرف بأكبر فضيحة لمؤسسة مصرفية في التاريخ.
يعد بنك ويلز فارغو من أكبر المؤسسات المصرفية في العالم من حيث القيمة السوقية، وحقق مبيعات تقدر بحوالي 100 مليار دولار في عام 2017 ويخدم البنك المجتمع الأمريكي منذ تأسيسه في عام 1853 ولديه 9000 فرع منتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية كما لدى البنك قاعدة عملاء ضخمة بأكثر من 70 مليون عميل. ويعتبر بنك ويلز فارغو أكبر ممول لقروض السيارات في أمريكا، وفاز الرئيس التنفيذي للبنك جون ستنيف بلقب أفضل رئيس تنفيذي في عام 2015 بحسب مجلة فورتشين العالمية. (نجاح واداء رائع اليس كذلك!؟)
وفي عام 2016 للأسف تبين أن البنك يقوم بخداع الجميع، وكانت سياسته غير قانونيه بحيث كان يقوم بالضغط على الموظفين وخصوصا موظفي خدمة العملاء بخداع العملاء الموجودين لدى البنك بفتح حسابات مجانية لدى البنك بمسميات مختلفة مثل حساب القرض وحساب السيارة وحساب العمل الخاص وحساب الأطفال، بهدف فتح أكبر عدد من الحسابات الوهمية، ولا يقوم البنك بالاستفادة من تلك الحسابات الوهمية بشكل مباشر. ولكن يقوم البنك بالتضليل والخداع وادراجها تحت بند العملاء الجدد للبنك في تقريره السنوي، ويعتبر مؤشر عدد العملاء الجدد مؤشر مهم يبين للعموم وللمستثمرين ولحملة الاسهم بأن البنك لديه عملاء جدد بإستمرار وهناك طلب مرتفع على خدمات البنك مما يعطي انطباع بأن البنك ينمو بشكل كبير ومستمر والاستثمار فيه يعتبر فرصة لا تعوض، ولكن مع مرور الوقت تبين أن موظفي البنك قاموا بفتح حسابات تزيد عن 2 مليون حساب لأشخاص ليسوا بحاجة لتلك الحسابات ومن دون علمهم في الكثير من الأوقات، بهدف الوصول إلى حجم المبيعات المطلوب منهم من الإدارة، وفي حال لم يصل الموظف إلى عدد الحسابات المطلوبة سيتعرض إلى عقوبات تصل إلى الفصل من العمل، وهذا بحد ذاته عمل غير قانوني ولا اخلاقي في التعامل مع الموظفين.
لذا انشغلت المحاكم الأمريكية في هذه القضية وبعد دراستها وجدت المحكمة بان البنك مذنب وقامت بفرض غرامة قدرها 8 مليار دولار كعقوبة على الخداع والتضليل والتزوير، كما واوعزت بدفع مبلغ 147 مليون دولار كتسوية للموظفين والعملاء المتظررين من سياسة البنك المتبعة، وقررت إدارة البنك فصل المدير التنفيذي من عمله وقامت الحكومة بفرض غرامة قدرها 17 مليون دولار عليه ومنعه من العمل في المؤسسات المصرفية إلى الابد.
من السهل نسبيا تحقيق مكاسب على المدى القصير من خلال استعراض الأرقام والإحصاءات، ولكن ما يهم أكثر المكاسب على المدى الطويل من خلال الحفاظ على العملاء واستمرارية المنظمة وبقائها.