ما بين الاحتكام للأخلاق العامة وهيبة الدولة, وما بين المراهقة التربوية
جفرا نيوز - كتب المعلم الدكتور عدنان حباشنه
الأزمة المجتمعية التي خلقها الموقف الراهن ذات اثار عميقه وطويلة المدى على العملية التربوية برمتها ، كمدير لمدرسة وخبرتي التربوية الطويلة في هذا المجال اجد من الضروري التنبيه والتحذير من أن الاستمرار في لعبة شد الحبل هذه لها انعكاسات سلبية على الطالب اولا والبيت والمدرسة والوزارة والنقابة وهي المكونات التي كان من المفترض أن يسود التعاون بينها لغايات خلق استقرار ذهني ، بدل حالة التلويح بالاضراب كل عدة اشهر حتى بات الطالب صغيرا أو كبيرا يستطيع التنبوء بمسار الأحداث ووقت الإضراب .
عملية التحشيد والشحن التي يقودها معلمون جدد يعيشون مراهقة سياسية أو تربوية وآخرون ذوو خبره لا تعني سوى أن هناك رغبة في إطالة أمد الأزمة وتوسيع بؤرة الاصطدام سواء مع الحكومة الان بعد أن كانت الصدامات قد بدأت منذ شهور عبر تحرش بالوزارة وامينها العام نواف العجارمة والأمين العام نجوى قبيلات ستنسحب لاحقا على صدام مع المجتمع نفسه ، وسيخسر المعلم الرأي العام ، وهو الليلة خسر بعد تعرضه لقوات الدرك كثيرا من رصيد الاحترام .
امين عام وزارة التربية نوفان العجارمه وعبر متابعتي لتصريحاته المتكررة لوسائل إعلام مختلفة أكد أن اللجنة الوزارية ليست بديلا عن النقابة لكنها تسير عمل النقابة بعد قرار وقف عملها ، هنا يعرف المعلمون أنفسهم وهم زملاء يفهمون ما أقول أن الموظف في الوزارة لا يرغب بتحمل مسؤوليات فوق مسؤولياته ونحن الذين نلمس حجم التذمر من مجرد تكليف معلم بأشغال حصة صفية حال غياب زميله ، لهذا فإن الجنة نفسها ضرورة وجودها تسييرية ، مع أن المجال مفتوح للاعتراض القانوني لدى الجهات المختصة على قرار وقف النقابة .
يتهم المعلمون الإعلام بأنه يتخلى عن قضيتهم ، وانا كمعلم واداري اطرح رأيا في المقابل ماذا لو جرى فك منع النشر وجرى التوسع في بحث القضايا المنظورة أمام القضاء على مجلس النقابة ؟
العجارمة كان واضحا وصارما في طرحه وقدم فهما متقدما حول جملة من القضايا ومنها على سبيل المثال صندوق ضمان التربية الذي جرى بث معلومات عن فقدان رصيده المالي وهنا لن ااكد فقط أن الكلام غير صحيح بل إن ما من زميل تقاعد أو نقل وفي اي وقت الا وتسلم مستحقاته ، وهو كلام علمي قانوني واضح قدمه العجارمة للجميع ، لكن أجواء الشحن السياسي والرغبة في مشهد ساخن تدفع بالطرف الآخر إلى تجاهل كل ما يطرح على الساحة التربوية .
نحن اليوم نبلغ مرحلة باتت سافرة لا يمكن تجميلها ، أو التغاضي عنها عبر عنها مواطنون ومهتمون تتمثل في تجاوز أدبيات المطلب المهني إلى رغبة في تصدر المشهد الشعبي وهو ما يكشف الدور السياسي للبعض من تيارات العمل الحزبي ، نواف العجارمه كان قد أشار إلى أن البنية العامة فنية وإدارية وبرامجية لا تتحمل هذا الثقل الكبير والدور غير المتناسب تاريخيا مع مسيرة عطاء المعلم الأردني التي اتسمت بتحييد الساحة الطلابية والمدرسية من اي تجاذبات لكن الواقع الحالي بات يؤكد الاتجاه إلى جر المدرسة والطالب والأهالي إلى ساحة صراع غير محمودة العواقب .
المناهج والتعيين والتدريب كلها ملفات مفتوحة أمام الجميع لا يمكن لنا كمعلمين وإدارات أن نصمت أمام فوضى التشويه التي تتسارع بوتيرة عالية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، حتى أن الوزارة نفسها يجري تشويه قياداتها بشكل ممنهج ومدروس في مرحلة الصراع وما بعدها ، وهنا اطرح رأيا ليعتبره البعض خياليا أن كانت العلاوة بقيمتها المادية المباشرة ليست هي شرارة الاحتجاج والاحتقان وان الاتفاقية ببنودها المتعددة جرى تجاهلها بحسب البعض وان المناهج تتعرض لتشويه بحسب رأي البعض وان صندوق ضمان التربية قد تبخر بحسب الزعم فلماذا لم تظهر هذه القضايا الا الان وفجأة وبوتيرة عالية ، ثم إن التبرع باسمنا جميعا لكن هل اتخذ قراره بإجماع المجلس ووفق الأسس القانونية ، انا معلم واعترف ان الزملاء المعلمين قد أخذتهم العزة بالاثم ، ودخلوا نفقا لا يمكن مغادرته بسهولة نتيجة إصرار غريب على مواجهة مع الدولة مع القانون مع أدبيات التدرج المطلبي نفسها وهنا سيبلغ الأمر حتما مرحلة المساس بالكرامة المدعى والذي سيدفع بالكثيرين منهم إلى الهروب إلى الأمام اكثر عبر تصعيد اكبر .
الدولة الان مطالبة بمواجهة الأزمة بكل طاقتها ضمانا لعدم وصولنا إلى مرحلة اللاعودة فاما أن نحتكم إلى القانون أو إلى الأخلاق العامة ومقاربة كرامة المعلم التي يجري شحن المعلمين من خلالها يقابلها هيبة الدولة ، والاعتقالات التي جرت لأعضاء المجلس وفق تكييف قانوني واستمرار الاعتقالات هو أيضا بعد بلوغ الأمور حد تجييش المجتمع وهو يرتب مخاطر حقيقية على فلسفة العمل التربوي نفسة .
وزارة التربية والتعليم ورجالاتها وكوادرها تصويرها كعدو ،سبقه ايضا شيطنة المضمون التعليمي والمحتوى المعرفي ، ثم وصلنا بسبب ترحيل حل المشكلة منذ سنوات إلى سلسلة أزمات عصفت بالهدوء التربوي وخلقت أجواء مشحونة لا يمكن في ظلها إدامة استمرار عملية تعليمية نافعة ومفيده ، ثم إن الإطار التنظيمي مشترك بين وزارة مكلفة دستوريا بإدارة ومتابعة تنفيذ خطة العمل فنيا وإداريا وماليا وبين النقابة التي ألغت هذه الشراكة وباتت هي من تريد إلغاء الوزارة نفسها والوصول إلى مربع التعبئة النفسية أو المعرفية وتحت تأثير وهم الزعامة المجتمعية سيكون من المستحيل مستقبلا السيطرة على دورة العمل اليومي وسط حالة جنون عظمة لدى البعض غير طبيعية .