الأوامر التغييرية نافذة للحل أم باب للفساد

جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
أدى تحويل ملف أحد مشاريع وزارة الأشغال العامة والإسكان إلى دائرة النزاهة ومكافحة الفساد بسبب الإشتباه بوجود عدد من المخالفات أبرزها زيادات كبيرة وغير مألوفة في قيمة العطاء من خلال إصدار مجموعة من "الأوامر التغييرية"، إلى تداول هذا المصطلح على نطاق واسع، برغم كونه من المفردات الفنية المستعملة في قطاع الهندسة والمقاولات، إلى درجة أن غدا المصطلح في أذهان العامة مرادفاً "للفساد" وليس أي فساد وإنما للفساد الكبير جداً ex-large، وقد ساعد على تكريس هذا الفهم التصريح الذي صدر عن رئيس الوزراء منذ يومين وبين فيه إن قيمة الزيادات "الأوامر التغييرية" في بعض العطاءات قد بلغت (700%) من قيمة العطاء الأصلي.
الأمر التغييري تعريفاً هو أي تغيير كمي أو نوعي في الأشغال المتعاقد على تنفيذها، لا يغير بالضرورة طبيعة العقد أو نطاقه، وهو أنواع متعددة لعل أكثرها إثارة للجدل والإهتمام ذلك النوع الذي يؤدي إلى زيادات كبيرة في قيم المشاريع، وبالتالي زيادات مماثلة في أرباح المقاولين المنفذين لهذه المشاريع، مما يفتح أبواباً للتأويل والتفسير قد تصل أحياناً إلى إستحضار فرضية "المؤامرة" أو التواطؤ من قبل من أقر ووافق على هذه الزيادات، وهنا لا بد من التوضيح أن إصدار الأوامر التغييرية هو إجراء معمول به في عالم الهندسة والمقاولات في كل دول العالم، وهي ممارسة لا بديل عنها وحل لا يمكن تجنبه لمواجهة أي نقص في وثائق المشروع أو جدول الكميات، أو لمواجهة أي طارىء أو متغير لم يكن بالإمكان التنبؤ به عند إعداد الدراسات والتصاميم وخاصة في المشاريع الكبرى، حيث تبلغ الزيادات على قيم المشاريع في الأوضاع العادية من 5 – 10% من قيمة العطاء، إلا أنها قد تزيد عن ذلك كثيرا في العديد من الحالات، وهنا تبرز أهمية الإعداد الجيد للدراسات والتصاميم والتي تشكل الضمانة الأقوى للحد من الأوامر التغييرية، ذلك أن الزيادات الكبيرة في قيم المشاريع حتى لو كانت ضرورية ومبررة، تؤدي إلى إشكالات ومصاعب لعل أبرزها حصول عجز في تمويل المشروع وتأخير في الإنجاز، ويجب التوضيح هنا أن إجازة الأمر التغييري بغض النظر عن الأسباب التي أدت إليه، هي صلاحية مالك المشروع حصراً، وذلك واضح من المفردة الأولى التي يتكون منها المصطلح، فهو "أمر Order" يوجهه المالك مباشرة أو من خلال المشرف للمقاول بتنفيذ أعمال إضافية لمصلحة المشروع
 وعلى المقاول الإنصياع بتنفيذ هذا الأمر طالما كان ذلك مرتبطاً بالمشروع وضمن نطاقه، أما إذا تبين أن الأمر التغييري قد حصل نتيجة خطأ أو تقصير من أي من المكتب المصمم أو المشرف على التنفيذ، فيتحمل عندها المخطىء أو المقصر التكاليف والأضرار التي لحقت بالمالك نتيجة ذلك، لكن في جميع الحالات لا يستطيع المالك الإدعاء بعد إنتهاء المشروع أو قبيل إنتهائه، بأنه قد اكتشف أو علم فجأة بوجود زيادات كبيرة في قيمة المشروع، فهو موجود ومطلع دائماً على كافة التفاصيل، وكافة الزيادات لا تعتمد إلا بعد موافقته النهائية عليها.
الأوامر التغييرية أداة بيد المالك يستعملها كلما كان ذلك ضرورياً، لم يحدد المشرع نسبة أو سقفاً لها، فالمعيار في ذلك مصلحة المشروع والظروف المستجدة أو الطارئة، ولتفادي سوء الإستغلال فقد تم وضع الضوابط الكافية لذلك، فالزيادات الكبيرة نسبة ومقداراً لا تقر إلا بموافقة الوزير المختص أو مجلس الوزراء وبتنسيب من لجان فنية متخصصة، هكذا كانت الأمور سابقاً وهكذا استمرت في عهد الحكومة الحالية، فما الذي استجد حتى تثار الأمور بهذه الطريقة وفي هذا الوقت بالذات؟ 

يرى كثيرون أن إثارة موضوع "الأوامر التغييرية" فيه الكثير من المبالغة والإستعراض إضافة إلى إلحاقه ضرراً معنوياً بالغاً بقطاع المقاولين والمهندسين والإستشاريين الأردنيين المشهود لهم محلياً وعلى مستوى المنطقة، وضرراً مماثلاً للأجهزة الفنية لوزارة الأشغال العامة والإسكان مالكة المشاريع، فالوزارة هي من تختار المقاولين والاستشاريين وهي من تتابع أعمالهم وتضع الضوابط والاشتراطات على أدائهم، وهي تتحمل بالتالي الجزء الأكبر من المسؤولية عن ذلك. 
وهنا نتساءل هل الانطباع التي تركه رئيس الوزراء لدى الشارع عند حديثه عن التجاوزات التي بلغت (700%) عادل وحقيقي ويعبر عن واقع الحال، أم هو استشهاد بحالة شاردة شاذة لا يقاس عليها، إن تقييم موضوع الأوامر التغييرية للمشاريع الحكومية بصورة منصفة ومنطقية يتطلب الرجوع إلى البيانات المتعلقة بكافة المشاريع التي انجزت خلال السنوات الخمس الماضية، فإذا تبين أن معدل الزيادات في قيمها منطقي ومعقول، فالحكومة مطالبة بالإعتذار وبتصحيح الإنطباع الخاطىء الذي كونته لدى الجميع، أما إذا تبين أن معدل الزيادات كان كبيراً فعلاً، فعلى الحكومة عندها توضيح أسباب السكوت عن ذلك كل هذه السنوات