محطات غيرت التاريخ .... في ذكرى الثورة العربية الكبرى

جفرا نبوز - كتبت - غيداء الخالدي

مرّ أكثر من قرن على ذكرى الثورة العربية، وما زالت ذكراها حية في الوجدان، ثورة تروي قصة قيادة وشعب التحما لتحرير الأرض والإنسان والفكرة، ثورة تستجمع همم أينائها لتكون مشروع نهضة أمة ووحدتها، ثورة قامت على مبادئ ثلاثة هي (وحدة، حرية، حياة فضلى)، فكانت رسالتها التي اجتمع عليها العرب، بحثاً عن الحرية لتحرير أوطانهم وامتلاك كلمتهم ومشروعهم الإنساني الأكبر.
وكان الشريف الحسين بن علي هو نقطة التوحد والانطلاق بفكره الحر والعروبي الحقيقي، ورؤيته التي أرادت توحيد العرب، وكان يرى أن استيلاء جمعية تركيا الفتاة والاتحاد والترقي على مقاليد الحكم في الإمبراطورية العثمانية تفقد الخلافة العثمانية شرعيتها، وتجعل الحكم في يد قلة. 
جمعية الاتحاد والترقي التي بدأت عثمانية انقلبت على ذاتها وتحولت حزباً تركيا يهدف إلى التحكم بالسلطة والتعامل مع العرب كشعوب مستعمرة مستعبدة تخدم أغراض الدولة التركية دون النظر إلى مصالح هذه الشعوب وآمالها القومية، فكانوا يقومون بإقصاء عدد كبير من العرب من وظائفهم، وعدم قبولهم أي عضو عربي ولم يبق أي عربي في الوزارة حتى الولاة والمتصرفين كان يتم استبدالهم بالأتراك.
ذلك كله أعاد ذكريات استيلاء العثمانيين في القرن السادس عشر على سائر البلاد العربية، واضطهادهم للأحرار وصولاً لمحاولة طمس اللغة العربية بمنع العرب من التحدث العربية، وإجبارهم على التحدث باللغة التركية، كلها أسباب ايقظت العرب من استعمار دام أربعة قرون متواصلة. 
شعر العرب بالضرورة الملحة لتحقيق الاستقلال والقضاء على أنظمة الحكم العثمانية الاستبدادية بعدما دهمتهم المصائب وتوالت عليهم النكبات، ووصولهم إلى حال من الخطر لم يسبق له مثيل في أحرج الأزمات، فقرروا ان يلتفوا جميعهم حول زعيم عربي سليل بيت النبوة وهو امتداد لملوك مكة وشرفائها، قادر على الصمود في وجه الاحتلال العثماني، ويحارب بحنكة وذكاء لينضموا تحت إمرته قوة عربية موحدة، فكان الشريف (الحسين بن علي) ملك مكة الذي اشتهر بالورع والتقوى والقيادية، ومقفه معروف وواضح وهو الذي رفض بقوة دستور الاتحاديين، فغيرة الشريف الحسين والغضب للحق هي التي دفعته للجهاد بالنفس والولد والمال للمحافظة على الكيان القومي للعرب.

في الساعة الثالثة والنصف من صباح ١٠ حزيران ١٩١٦م أطلق المغفور له الحسين بن علي رصاصة من قلعة أجياد في مكة، إعلاناً عن بدء العرب ثورتهم لنيل استقلالهم عن الأتراك، الذين استعبدوا العرب مئات السنين، ليستشعر العربي بقومتيه ويلتمس كيانه، وهاجمت قوات العرب كتائب الترك المنظمة فتنبه محافظ المدينة بصري باشا لردة الفعل العربية وقال "لقد انتصر الذكاء العربي على الذكاء التركي في هذه المعركة، وفاز عليه"، وهكذا بدأت الثورة من قلب الحجاز لتمخر قلب الوطن العربي كله. واستمرت الثورة حتى تمكن الجيش بقيادة فيصل بن الحسين بالتعاون مع مسلحي القبائل من تحقيق انتصارات عسكرية وكسر الجيش العثماني على طول خط القتال الممتد من المدينة المنورة وحتى دمشق، لتقدم نموذجا في النصر والإنجاز وبناء الفكر التحريري لدى الإنسان العربي.
وحتى هذا اليوم والهاشميون يكملون مسيرة البناء والعطاء في قصص يخلدها التاريخ في مواصلة بناء الدولة وحمل الهم القومي، فهم وحدهم من سطر أسطورة الملوك الثوار، ملوك حملتهم أصوات شعوبهم وأياديهم كي يقودوهم نحو المستقبل.  وفي هذا اليوم لا يمكن أن ننسى ذكرى الجلوس الملكي، حين استلم عبدالله الثاني الراية من أبيه المغفور له الحسين بن طلال، وكان يعرف ثقل المسؤولية ويدرك أن المنطقة على فوهة بركان دائم، لكنه قرر أن يزين سنين حكمه بالإنجاز تلو الإنجاز، واستطاع العبور دائما بالأردن في كل المنعطفات الخطيرة ليبقى الأردن عنوان الامن والاستقرار، من دون أن تغمض عينه عن قضية الأردن والعرب الأولى فلسطين، وظلت عيونه شاخصة نحو القدس لحمايتها والتحدث عنها بكل المحافل الدولية بخطابات عقلانية رافضة التنازل عن اي شبر من ارضيها مرددا" لا للوطن البديل ولا للتوطين والقدس خط أحمر”.