“خذ عروستك وروح”.. هل ينصف الخاطبين أم يقتل فرحة العمر؟
جفرا نيوز - "#خذ_عروستك_وروح”.. ذلك الهاشتاغ أطلقه أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي، كمبادرة لإعفاء العروسين من حفل الزفاف والتكاليف المترتبة عليه؛ أثار ردود أفعال متباينة، بين انتقاد ومحاربة للفكرة، ورضا عام عن اكتفاء العروسين بمراسم حفل بسيطة مع أقل عدد من المدعوين.
الحيرة والقلق والمشهد الضبابي هو سيد الموقف لدى الخاطبين الذين تزامنت حفلات زفافهم مع جائحة "كورونا”، وهو ما جعلهم حتماً يلغونها لأجل غير مسمى، وبدأت الأسئلة حول مصير هذا الزواج، والحيرة بين إلغاء مراسم الحفل تماماً أو الاكتفاء بتأجيلها الى وقت غير مسمى، أو الذهاب بهدوء وبدون أي فعاليات الى بيت الزوجية.
"الغد” قامت بطرح استفتاء غير علمي على جروبات مختلفة على "فيسبوك”، يتضمن سؤالا وهو "هل توافق أو تعارض على فكرة هاشتاغ خذ عروستك وروح”؛ أي إتمام الزواج بهدوء وبدون حفل أو أي تجمعات بسبب الظروف الراهنة وعدم التأجيل، فتراوحت الإجابات بين مؤيدين تماماً للفكرة باعتبار أن مراسم الأعراس أصبح مبالغ فيها، وكلها مظاهر ترف وأعباء مادية لا داعي لها، وأن التواضع والاستسهال هو الأفضل في هذه المرحلة.
في حين عارضت مجموعة أخرى، وبشدة، الأمر وحتى أسلوب طرح هاشتاغ "#خذ-عروستك-وروح”، لأنهم وجدوا فيه تقليلا من شأن المرأة، ونصحوا الفتاة بالانتظار أكثر من سنة، من دون أن تقبل إلغاء فكرة الحفل، وأن الزفاف ذكرى لا يمكن تجاوزها، ذلك عدا عن الأثر النفسي الذي قد يلحق العروس كونها لم تقم حفل عمرها ويؤثر ذلك عليها، وآخرون اعتبروا أن الفكرة تقلل من قيمة وشأن الفتاة والرضا بأقل الأشياء، وينبغي عدم الأخذ بها على الإطلاق.
واعتبرت مجموعة أخرى أن ذلك يعود للمعنيين بالأمر؛ أي العروسين والقرار الذي يتخذانه، وهو لا يعني أي شخص آخر غيرهما، فتلك حياتهما وهما الأقدر على اختيار الحلول المناسبة.
اختصاصيون اعتبروا أن إقامة الزفاف، وفق الظروف الراهنة وبأبسط التفاصيل وعدم التأجيل هي أمر إيجابي، وإن كان ذلك سيترك أثرا نفسيا كبيرا على الأزواج وقد يستمر معهم طوال العمر.
وفي ذلك، يذهب الاختصاصي الأسري ومدير جمعية العفاف الخيرية مفيد سرحان، أن عادات الزواج في الأردن واحدة، وتشكل عبئاً مالياً كبيراً على الشباب وأسرهم؛ حيث إن التكاليف كبيرة مقارنة مع متوسط الدخل، وهي مبالغ فيها مقارنة مع المتطلبات الأساسية للزواج وبناء أسرة جديد، مما كان يؤدي إلى تأخر سن الزواج لدى الجنسين.
والتغير الاجتماعي، وفق سرحان، من أصعب أنواع التغير، فهو يحتاج إلى وقت طويل ومتدرج لأنه مرتبط بالسلوك ولا يتوقف على الشخص نفسه بل على الأسرة والمجتمع عموماً.
وفي ظل انتشار وباء "كورونا” وتوقف عمل الكثير من المؤسسات، ومنع التنقل بين المدن وفرض حظر التجول لساعات متعددة، إضافة إلى منع التجمعات ومنها مناسبات الأفراح؛ بادر عدد من الشباب الخاطبين إلى إتمام الزواج بدون مراسم أو احتفالات وبحضور عدد محدد من أهل العروسين، مما يقلل من التكاليف ويمكنهم من إتمام زواجهم بدون تأخير، خصوصا أن الظرف الحالي مستمر ولا يُعرف بالتحديد متى يتم السماح بإقامة الحفلات والتجمعات.
هذه الظروف الطارئة فتحت المجال لتجاوز كثير من العادات الاجتماعية التي لها تبعات مالية كبيرة، وإن كانت الظروف خارجة عن الإرادة، إلا أنها فرصة مناسبة للتغير الاجتماعي الإيجابي لما فيه مصلحة الجميع، خصوصاً أن أعدادا كبيرة من الموظفين قد تناقص الدخل لديهم، عدا عن توقف آخرين عن العمل كليا مما يفرض على الجميع، مؤسسات وأفرادا، البحث عن حلول عملية لتلبية الاحتياجات الأساسية للأفراد والمجتمع ومنها الزواج.
والزواج، وفق سرحان، له أهداف منها تحقيق الاستقرار والمودة والسكينة والرحمة، وبناء الأسرة على أسس سليمة ضروري لتحقيق هذه الأهداف، ولا بد من الإشارة إلى أن أعلى نسب الطلاق هي قبل الدخول -أي قبل إتمام مراسم الزواج- ومن أهم الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق ارتفاع التكاليف حتى قبل إتمام المراسم من جاهة وخطبة وتبعات أخرى.
المبادرات المجتمعية المدروسة مهمة لإحداث واستمرار التغير الاجتماعي، خصوصاً عندما تكون صادرة عن فئة الشباب الأكثر تضرراً من ارتفاع التكاليف، مما يؤدي إلى تأخير الزواج وما يصاحب ذلك من آثار اجتماعية على الفرد والأسرة والمجتمع. والمبادرات دائماً بحاجة الى الجرأة والقدوة الحسنة والصبر على النقد والاعتراضات. ومن الضروري العمل على مأسسة المبادرات وتطويرها وتشجيعها وأن تشمل مختلف فئات المجتمع.
وقد دعت جمعية العفاف الخيرية الشباب الخاطبين إلى إتمام زواجهم وعدم تأجيل مواعيد الزفاف خلال فترة الحظر، وإن اقتصر الحضور على عدد محدود، كما دعت المجتمع إلى المساعدة على إتمام هذا الزواج ماديا ومعنويا، خصوصا أن إشهار الزواج يمكن أن يتم عبر وسائل التواصل وأن يشارك الأقارب والأصدقاء العرسان فرحتهم بدون حضور شخصي.
والأمل أن يستمر هذا الوعي بعد انتهاء فترة الحظر وعودة الحياة إلى طبيعتها، بحيث تكون حفلات الزواج بحضور أعداد ليست كبيرة من المدعوين تقليلاً للتكاليف، وأن يقتصد العروسان في تكاليف الزواج عموماً والابتعاد عن الجاهات التي يحضرها مئات الأشخاص وكذلك حفلات الخطبة التي يشترط إقامتها في قاعات أو فنادق عالية التكاليف.
وحقيقة السعادة والفرح ليس بما ينفق من أموال، بل بالقدرة على التعامل مع متطلبات الحياة بواقعية واستثمار ما يملك الإنسان من مال في الإنفاق على الأساسيات.
ويرى الاختصاصي النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة، أن الثقافة المجتمعية ربطت الزواج بحالة، وهذه الحالة أصبحت حلما لدى الفتاة أكثر حتى من الشاب.
وهذا الحلم يتجسد بالفرح والعرس والناس، وبدلة الزفاف والحالة العامة، هذه الأمور كلها تولد شعورا لدى الشخص يعطي إحساسا بالفرح وبداية مرحلة جديدة في حياة الإنسان، وأن يكون محط أنظار واهتمام الجميع، وكلها تنعكس إيجابا على النفس والراحة النفسية والإحساس بالذات وتحقيق الحلم بالنسبة للفتاة.
لذلك، فإن العملية كلها غير مرتبطة بالجانب المادي فقط بغض النظر عن كل الظروف والإمكانيات المادية المدفوعة، فمراسم العرس كلها تفاصيل يعيشها العروسان وتنعكس بإحساس وشعور نفسي رائع عليهما، فهما يعيشان حلما قد تحقق. ويضيف مطارنة أن غياب كل هذه الطقوس والتفاصيل له أثر نفسي واجتماعي، مبينا أنهم قد يشعرون بفقدانه حتى بعد مرور وقت طويل، لافتا الى أن كثيرا من الأزواج يتمنون أحيانا وبعد فترة من الزمن إقامة عرس آخر لما في ذلك من أثر وحالة من الفرح والإيجابية على الذات، ومعان عميقة تربت مع الإنسان وكبر عليها، مثل بداية حياة جديدة وبداية تكوين أسرة وارتباط واستقلالية، وكل هذه المعاني ارتبطت بهذه الطقوس.
ويشير الى أن العروسين قد يقرران عدم إقامة حفل للزواج، إلا أن ذلك ربما يترك أثرا كبيرا، لذلك فلابد من القيام به حتى لو بأبسط التفاصيل والتكاليف وأقل الأعداد، فهذا طقس اجتماعي يصعب التنازل عنه، وله ارتباط نفسي مهم جدا بذاكرة الشخص.
الغد