لسنا مغفلين لنصدق التشويه... إلا الدفاع المدني

جفرا نيوز - بقلم العميد المتقاعد باسم الحموري
شاهدت بالأمس فيديو وصلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر فيه شخص يصرخ ويصيح ويتلفظ بالكلمات الخارجة على الحكومة، مدعياً أنه طلب الدفاع المدني لإسعاف طفلته الصغيرة وأنه انتظر طويلاً، إلا أن الدفاع المدني تأخر عليه لمده تزيد عن الساعة، ما أدى لوفاة طفلته. لن أدخل في تفاصيل هذا الفيديو وحيثياته حيث لا شك وأن الكثيرين قد شاهدوا هذا الفيديو، لكن ما اريد تناوله هو الجزء الخاص بدور الدفاع المدني في هذه القضية وغيرها من القضايا التي قام فيها بالتعامل مع المواطنين والاستجابة لحالاتهم الطارئة.
ليس خافياً على أحد في هذا الوطن أن جهاز الدفاع المدني الأردني يعتبر واحداً من أفضل وأنبل أجهزتنا الحكومية، من حيث الأداء في مجال الخدمات التي يقدمها، فهو جهاز إنساني بمعنى الكلمة، يقدم خدماته لكل من يحتاجها بصرف النظر عن جنسيته أو لونه أو دينه أو عرقه، يعمل في ساعات الرخاء كما هو حاله في الشدائد، فمن نقل المرضى الى المستشفيات إلى إخماد الحرائق إلى الإغاثة في الكوارث، وغيرها الكثير من الخدمات التي لا هدف منها في النهاية إلا الحفاظ على سلامة الأرواح، لذا...كان من الصعب تصديق ما ذكره ناشر فيديو الأمس من تعمد الدفاع المدني التقصير في إسعاف الطفلة حتى فقدت حياتها، ومن الغريب تقبل تركيز الرجل على الإساءة لهذا الجهاز وعلى الحكومة، في الوقت الذي كانت فيه طفلته ترقد في مركبته وقد سلمت روحها لخالقها، ومن المخالف لطبيعتنا البشرية أيضاً تخيل أم فقدت رضيعتها قبل ساعة (على حد ادعاء والدها) وتضع جسدها البارد -وقد غادرته الروح- في حجرها وهي صامته بلا انفعالات تعكس حزنها على فقدها!! وسؤال آخر يطرح نفسه وهو: لم أصر والد الطفلة على ملاقاة سيارة الإسعاف عند نقطة معينة، كانت حاجزاً للأمن العام أيضاً ولم ينتظر قدومها لمنزله؟؟!!!!
تساؤلات كثيرة أطرحها، احتراماً لعقلي أولاً، وتوضيحاً لعقل القارئ ثانياً، قد تكون الصدمة أخذت من الوالدين مأخذها ولكن.. لم كل هذه الترتيبات لنقل الحادثة، مصورة، وفق سيناريو، ومواقع، وذكر لأشخاص؟!!! لا تزال صورة الطفلة وهي في حجر والدتها يكسو الشحوب وجهها، وعيناها نصف مغلقتين عالقة في ذهني، وما علق أكثر هو إصرار والدها على نشر صورة صغيرته مرة تلو أخرى بهذه الهيئة أمام العالم دون رحمة لها أو احترام لرهبة وفاتها، ومهما حاولت منطقة ما رأيت أفشل في التصديق أنها الصدمة.
تعودنا في هذا الزمن الصعب على مشاهدة المواقف الغريبة التي تصدر عن فئات كثيرة من البشر، ولكننا لا زلنا نحتفظ بعقولنا ووعينا وإدراكنا، لنميز الغث من السمين، والحقيقي من المزيف، هذه العقول التي أرهقتها الإرهاصات والتحليلات والتشكيكات، والإشاعات والمؤامرات التي تهدف لتدمير خلاياها بتشويه الحقائق وتزييفها.
وكما أن هناك لون أسود يستخدمه البعض ليغطي حقيقة دور الدفاع المدني لغاية في نفسه، هناك لون أبيض تعكسه الإشادة بالدور الكبير الذي يقوم به هذا الجهاز من خلال الخدمات الجليلة التي يقدمها لمن يحتاجها من المواطنين والمقيمين. ولا يسعني إلا أن أقف اجلالاً واحتراماً وتقديراً لرجال الدفاع المدني لما يقومون به من مواقف بطولية وتضحية بأنفسهم وأرواحهم تلبيةً لنداء الواجب، والأمثلة والشواهد كثيرة وعديدة، منها عمليات بحث عن مواطنين جرفتهم السيول، وإطفاء حرائق الغابات المفتعلة، وإسعاف المواطنين والمقيمين في أصعب الظروف والمناخية، وغيرها.
وتجربتي الشخصية العملية مع هذا الجهاز خلال فترة خدمتي، لم أعهد فيها من كوادره إلا السرعة في تلبية النداء عندما يطلب منهم ذلك، حيث يكونون دائماً بمنتهى الجاهزية، والاستعداد للتعامل الانساني مع كل حدث وكل شخص بكل تجرد وأمانة ونزاهة، ودون تفريق بين انسان وآخر.
وفي الختام اتقدم بجزيل الشكر والتقدير الى عطوفة مدير الدفاع المدني ومنتسبيه على الجهود الكبيرة التي يبذلونها في خدمة المجتمع والإنسانية، لأن من لم يشكر الناس لم يشكر الله، ورحم الله الطفلة وألهم ذويها الصبر والسلوان.