هل رئيس الوزراء فاقد للشرعية ؟؟
جفرا نيوز -د.عامر السبايلة
حالي كحال أي أردني بسيط لازالت نفسه تتوق و تحلم لرؤية رئيس وزراء يكون وجوده مرتبطاً بخيار شعبي حتى لو لم ينتخبه الشعب. و أعلم أيضاً أن الكثيرين سينتقدونني مؤكدين انه لا يمكن ارضاء أهواء كل الناس و أن ارضاءهم غاية لا تدرك. و هنا سأضطر أن اقول ان البسطاء من الناس لا يصعب ارضاؤهم فالقرب منهم هو الأساس و تلمس معاناتهم و آلامهم هو السر الذي يجعلهم يرون شعاع النور في خضم العتمة.
ولا شك ان المناسبة التي نعيشها اليوم في استشهاد الغائب الحاضر الشهيد وصفي التل تقدم لنا المادة التحليلية الأهم لفهم كيف لشعب أن يرضى عن بعض الشخوص و يقدرها و يظل يكبرها و يجلها, حتى أولئك الذين يختلفون معها لا يملكون الا خيار احترامها و هكذا يبقى الصغير قبل الكبير يحبها في غيابها. الرئيس الذي وهب حياته لخدمة مشروع "انتاج مفهوم الوطن و الابقاء عليه" فكان في موته حياة و في غيابه حضور وهذا السر الذي جعل من ذكره و صورته حاضرة في مخيلتنا الى اليوم و جعل الألسن تلهج بذكره, ذاك أن شرعيته لم تُستمد من القوانين بل من محبة الناس و لم تُستمد بفرضه علهم بل بايمانهم به. و ان قتل فهو لم يمت فمن يقتله مشروعه و نبل أفكاره و مبادئه و دفاعه عن وطنه و اهله فمن الصعب أن تغيب روحه أو ينتهي وجوده.
اليوم وفي هذه المرحلة التاريخية, تعتبر اجراء المقارنات بين الحاضر و الماضي يعتبر أساساً في فهم التحولات, ففي مرحلة نحن بامس الحاجة لشخوص وطنية حقيقية تنبع من حقيقة الأرض و مشاكلها, يُأتى برئيس وزراء جديد لا يمت الى الواقع بصلة, و اذا اتفقنا أن سبب وجوده مرتبط تماماً بمرحلة تشريعات و قوانين, حيث تسوق خبرته القانونية على أنها الحسنة الوحيدة في غياب العمق السياسي أو الخبرة الاقتصادية. لذلك سنًصدم جميعاً عندما نعلم أن الرئيس و وجوده و تعينه هو أمر غير دستوري, و الأدهى من هذا أن الجميع يعلم أن أي خبير في القانون (كما يسوق) لابد له ان يعلم بطبيعة القوانين و خصوصاً الأساسية منها, اذاً فمن يحتال على القانون لا يمكن له ان يؤتمن على مرحلة هي الأدق و الأخطر, و لا يمكن أن يتسلم مرحلة التشريعات تحتاج لشرعية و أمانة. الرئيس الذي لم يستقل من منصبه في محكمة لاهاي يعلم تماماً بالمادة 16 للنظام الأساسي للمحكمة و التي تقول:
المادة 16
1 - لا يجوز لعضو المحكمة أن يتولى وظائف سياسية أو إدارية كما لا يجوز له أن يشتغل بأعمال من قبيل أعمال المهن.
2 - عند قيام الشك في هذا الشأن تفصل المحكمة في الأمر.
و حتى قليلي الخبرة في القانون أو حتى العموم يدركوا عدم دستورية رئيس الوزراء الحالي, فهو الآن مجبر أن يستقيل من عضوية محكمة العدل الدولية و اظهار و اعلان استقالته و لعله بهذا يكف عن تهديد الأردنيين بالاستقالة و العودة الى لاهاي كما يحدث في كل مرة يتحدث بها. هذه الحالة تقتضي عزل الرئيس الآن أو تقتضي المانة منه التقدم بالاستقالة من المنصب الذي قبل أن يكلف به على غير وجه حق, و ان اختار الاستقالة من محكمة العدل الدولية فمن الممكن اعادة تعينه بعد اثبات قبول الاستقالة.
و يبقى السؤال الأكبر يتمحور حول قدرة الرئيس على الحديث عن عدم دستورية قرارات الدولة الأردنية و هجومه غير المسبوق عليها و على شخوصها من أسلافه و هو يقبل أن يكون تعيينه بطريقة غير دستورية. و قد يواجهنا بعض القانونين او المتنطحين للدفاع بالقول أن الرئيس حصل على اجازة مغادرة, و الاجازة لا تسقط العضوية و بالتالي بالرغم من وضوح المادة السابقة واضحة قد نقدم لهم مادة أخرى من النظام الأساسي للمحكمة و هي المادة 23 و التي تثبت امكانية الاجازة و عدم اسقاط العضوية و التي تقول:
المادة 23
1 - لا ينقطع دور انعقاد المحكمة إلا في أيام العطلة القضائية. وتحدد المحكمة ميعاد العطلة ومدتها.
2 - لأعضاء المحكمة الحق في إجازات دورية تحدد المحكمة ميعادها ومدتها مع مراعاة المسافة التي تفصل لاهاي عن محال إقامتهم.
3 - على أعضاء المحكمة أن يكونوا في كل وقت تحت تصرفها، إلا أن يكونوا في إجازة أو أن يمنعهم المرض أو غير ذلك من الأسباب الجدية التي ينبغي أن تبين للرئيس بياناً كافياً.
اذا, كيف لنا أن نأمن على مستقبلنا و مستقبل أردننا و نحن نرى أن حقبة الاصلاح بنيت على التحايل على القانون؟ و من يعرف القانون بات اول من ينكره و يستهزأ به. رئيس وزراء غير شرعي يعني قرارات غير شرعية و مرحلة غير شرعية , هذه الأخطاء ستكون المعضلة التي تشوه ما تبقى من صورة الدولة التي نسعى جاهدين للحفاظ عليها و اعادة بنائها.
لابد من حكومة انقاذ وطني أردنية حقيقية, و الآن قبل غداً, لأن الغدً بات واضحا حاله و كيفً كيف سيكون مآله اذا ما استمرت الأمور على ما هي عليه. لا يمكن أن نواجه المرحلة بحكومات خالية البرامج, ليس لها حضور و تفتقر للكاريزما السياسية او للفريق القادر على مواجهة تحديات المرحلة. لابد من حكومة تشكل من شخصيات وطنية نابعة من حقيقة الأردنيين و مشاكلهم, تستشعر آلامهم و تدرك احتياجاتهم, تخاطبهم بلغتهم و تشعر بمعاناتهم, و لن نقبل أن يقال بعد اليوم أن الأردن خال من الكفاءات كما تفضل الرئيس الضيف. حين قال أن كل الاكفاء اما اصحاب جنسيات مزدوجة أو يعانون من شدة المرض.
نحن نريد اليوم وصفي التل في سياسته و تصرفاته و حتى بانتقاء كلماته, وصفي الرجل الذي ولد من رحم ألم الأرض, و من آمال و احلام البسطاء, وصفي الذي اعتاد على افتراش الأرض و الجلوس بين الناس, الأردني الفخور بأردنيته و بساطة عيشه, هذا هو النموذج الذي نريد و لا نرغب بعد اليوم بالشخوص المفروضة علينا و التي لا تمت لواقعنا و آمالنا بصلة, فالأردنيون يستحقون أفضل ممن يُفرض عليهم.