الوزير العسعس إذ يعلن النفير العام

جفرا نيوز - المهندس عادل بصبوص
"إننا الآن في معركة بقاء لحماية الإقتصاد الوطني ...." هذا ما قاله وزير المالية أمس في معرض حديثه عن تأثير جائحة كورونا على الإقتصاد وعن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة لمواجهة ذلك، وهي عبارة تعكس صورة قاتمة لا تنسجم مع أجواء التفاؤل والإنتصار التي حققتها إجراءات الحكومة في الجانب الصحي والتي تكللت بعدم ظهور إصابات جديدة داخل حدود المملكة لليوم السادس على التوالي، مما أدى إلى السماح لغالبية الأنشطة الإقتصادية بإستئناف أعمالها وللمواطنين بقدر كبير من حرية الحركة والتنقل، في الوقت الذي لا زالت فيه دول كبرى تئن تحت وطأة الوباء وتشيع مئات الضحايا يومياً.
ندرك جميعاً الإرتدادات والتوابع القاسية جداً لهذه الجائحة على الإقتصاد الوطني وعلى المالية العامة للدولة وهي التي كانت تعاني من مشاكل حادة ومزمنة قبل ظهور كورونا لدرجة رفض مطالب المعلمين بزيادات على الرواتب بحجة عدم القدرة على توفير التمويل اللازم لها مما وضع البلد بأكمله على شفير أزمة كادت تطيح بالإستقرار والسلم المجتمعي، إلا أن لدينا دائماً الشعور بالثقة بقدرة هذا البلد على الخروج سالماً وتجاوز المنعطفات مهما كانت حادة وخطرة، فقد مضى إلى غير رجعة ذلك الوقت الذي كان فيه بقاء البلد واستمراره محل شك أو تساؤل، لا نريد لأحدٍ أن يزين لنا واقعنا الصعب أو أن يبيعنا الوهم أو يبحر فينا في الخيال، إلا أن عبارة "معركة بقاء" قاسية جداً وربما مبالغ فيها بعض الشيء وهي ذات أثر سلبي في هذه المرحلة لا يقل عن أثر "الزعم" بعدم توفر دينار واحد في الخزينة لتغطية رواتب شهر أيار 
 الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن مغزى وهدف هذه العبارة في هذا الوقت بالذات .... هل هي زلة لسان أم رسالة مقصودة يحاول الوزير العسعس إيصالها .... ما الذي يمهد له الوزير من إجراءات إضافية قاسية، وهو الذي أثار إعجاب الأردنيين في بداية الأزمة عندما أجاب عن سؤال حول تكلفة فيروس كورونا على الإقتصاد الأردني يالدينار بقوله بأن "الكلفة هي إصابة 56 إنسان أردني عزيز (إجمالي عدد الإصابات في ذلك الوقت) ندعوا لهم بالشفاء والباقي تفاصيل ..."، في إشارة إلى أن صحة الأردنيين أهم من الكلف المادية مهما بلغت 
أجزم أن لا أحد يحسد وزير المالية على موقعه اليوم، فالواقع المالي للحكومة في هذه الفترة صعب ومرير، والإيرادات المالية للحكومة في تراجع قياسي وغير مسبوق في الوقت الذي يتطلب زيادة الإنفاق ومد يد العون ليس للأسر الفقيرة والمعوزة التي تضررت بفعل الجائحة، وإنما لكثير من القطاعات الإقتصادية المختلفة التي أظهرت الازمة هشاشتها وضعفها، والخيارات والبدائل قليلة ومحدودة الأمر الذي دفع للحكومة لتسريع عودة القطاعات الاقتصادية للعمل بالرغم من المخاطر الكبيرة المترتبة على ذلك والتي قد تؤدي لا قدر الله إلى عودة النشاط إلى الوباء وخاصة في غياب وعي جمعي شامل بأهمية الإلتزام بإجراءات الوقاية والتباعد
لم يكن يخطر في بال وزير المالية وهو العراب الأبرز لمبادرة الحكومة بتنشيط القطاعات الإقتصادية من خلال منح العديد من الحوافز وزيادة ضخ السيولة في السوق من خلال زيادات غير متوقعة على رواتب الأجهزة المدنية والعسكرية، بأن جائحة سوف تعصف بالعالم بعد أشهر قليلة وسوف تطيح بهذه المبادرة، لا بل وتدفع الحكومة لوقف الزيادات الأخيرة على الرواتب واللجوء إلى حسومات متفرقة أخرى لخلق وفر تبين أنه لا يشكل سوى نسبة بسيطة من تراجع قيمة الإيرادات العامة حسب الارقام التي أعلن عنها الوزير
إن النجاح الباهر الذي حققته الحكومة في مواجهة الجانب الصحي من هذه الجائحة هي الخطوة الأولى والأهم في كسب "معركة البقاء" في هذه المرحلة، والتي سوف تمهد الطريق للتصدي للآثار العميقة التي عصفت بالإقتصاد الوطني للخروج بالنصر الشامل والمؤزر من خلال التضحية وتقاسم الأعباء من كافة الفئات كل حسب قدرته وموقعه.
حمى الله هذا الوطن وجنبه كل مكروه.