"القيم الإنسانية بين الفردية والمجتمعية"
جفرا نيوز - في ظل جائحة الكورونا يتحدثون في الغرب عن التخلص من كبار السن،أو عدم إيلائهم أولوية أو تركهم لمصائرهم.
وإذن فنحن أمام عملية فرز قيم،وإحياء للداروينية وفلسفة نيتشة والبقاء للأفضل والأقوى،ولكن ضنن قانون انتخاب بشري وليس طبيعياً.
وحتى قانون الضمان الصحي في أمريكا،هو قانون انتقائي يعطي الإمتياز للقادرين على الدفع.
الغريب أن الوباء قدكرّس هذه القيم بدل أن يتجاوزها إلى البعد الإنساني.
وفي أوروبا يتم السطو على الشحنات الطبية،وفي إسرائيل يوظفون الموساد،لممارسة هذه القرصنة،وفي مصر يدفع العائدون كلفة احتجازهم كضريبة لهذه الجائحة.
وإذن فقد اوقظ البلاء غريزة الإستئثار والأنانية،بدل أن يوقظ قيم التعاطف الإنساني،ويذكرنا ذلك بوحشية نابليون إبان غزوه عكا حين أمر بقتل المصابين بمن فيهم جنوده،لا بل طعناً بالسكاكين لتوفير الذخيرة،وإذن فنحن أمام قيادات تستنسخ هتلر وستالين ونابليون بلا أي خجل ولا مواربة.
فلا المحبة المسيحية ولا الأخوة الإنسانية،ولا حتى دولة الرعاية هي التي تسير دفة الأمور ،وإنما هي النفعية والبراغماتية في أبشع صورها،أما منظمات حقوق الإنسان وأحزاب الخضر وحتى حقوق الحيوان فقد غابت عن المشهد في خضم هذه المعمعة !
وفي الكويت ترتفع أصوات لنبذ العمال الوافدين لا بل"قطهم" إلى البر"الصحراء في اكثر التعابير فظاظة وتجرداً من الأخلاق والدين وأبسط القيم الإنسانية.والشاهد هنا أن هذه الأصوات لا تحاسب من النظم الشمولية التي تحاسب بلا هوادة على انتقاد النظام الحاكم أو سياسات وأداء الدولة أو حتى شخص الحاكم نفسه وتوجه للمنتقدين أقسى التهم وتوقع بهم أشد العقوبات.
وإذن فنحن أمام عالم مفرغ من الأخلاق والدين والقيم،ولم يبق إلا رحمة الله بعد تجرد البشر من الرحمة.
إنه الإنسان ذو البعد الواحد كما سماه كولن ويلسون،الذي خلقته الحضارة الحديثة والتي أصابتنا بعدواها الثقافية عبر موجات التغريب والعلمنة.
فأين سفينة نوح التي يقفز إليها أولئك الذين لم تزل جذوة الإيمان متقدةً في قلوبهم،وهل بنى أحدٌ مثل هذه السفينة استعداداً لمثل هذا اليوم ومن سيأوي إليها ومن سيأوي إلى الجبل استكباراً من أن يحشر في زمرة المؤمنين؟
من يتصدر المشهد هم أولئك الذين يعدون الإيمان ضعفاً،ويستنكفون عن رفع أيديهم إلى السماء.
وأذكر بصرخة سيدنا نوح عليه السلام: لا عاصم اليوم من أمر الله.
وإذن فقد جاء هذا الفيروس الصغير ليضع الإنسانية أمام الخيار،ويؤشر إلى طريق النجاة،التي تنكبته طويلاً.
فحين تؤثر نفسك وتتنكر لأخيك فقد حسمت خيارك.
إنها رسالة سيوصلها هذا الميكروب المجهري ويمضي،تاركاً وراءه الأرض الخراب،وبقعة واحدة خضراء آوى إليها أولئك الذين قرأوا رسالة الإله.
سترسو السفينة بعد أن ينحسر الطوفان فعلى أي عالم سنطل من على قمة الجودي أو أهارات،ولكننا حتماً لن نستأنف من حيث انتهينا،لأن حضارة الجبابرة ستكون قد انهارت تماما حتى لو نجت بالجسد
فالمهم أن تنجو بروحك وأن تستخدم مطهرات الروح قبل معقمات الجسد،قلبك قبل يديك أيها الإنسان الغافل فهذه تذكرة فمن شاء ذكر وإن إلى ربك الرجعى،فلا تنه عبداً إذا صلى أو أمر بالتقوى.
ولاحظ أن أول ما أمروا بإغلاقه هي المساجد ودور العبادة،أي ملاجيء وملاذات الروح،وحتى أحاديثهم وتشدقاتهم عن الطاقة الإيجابية وقوة الإيحاء والطاقة الروحية ذهب أدراج الرياح،في دليل ساطع على أن كل بدائل الدين الحق تسقط عند اول امتحان
نزار حسين راشد