أزمة كورونا الصادمة ...وتأثيراتها المجتمعية
جفرا نيوز - كتب - الدكتور محمد الجريبيع
قد تكون الأسئلة المطروحة الآن على كافة المستويات المحلية والإقليمية والعالمية هي كيف سيكون حال العالم بعد أزمة كورونا؟ هل سيبقى كما كان أم سيتغير؟ وأمام هذا التساؤل ستكون الإجابة الأكثر صعوبة ربما لأنها تحتاج إلى مزيد من الوقت، والنظر للعالم كوحدة متكاملة بكافة أبعاده السياسية والإجتماعية والإقتصادية والثقافية.
إن الإجابة على هذا التساؤل المشروع ربما تكون نعم، لن يبقى العالم كما كان، فكثير من الدول ستعيد النظر بكامل سياساتها الداخلية والخارجية، وتراجع أولوياتها وعلاقاتها الداخلية والخارجية وتقيم مؤسساتها وقدراتها وتعيد هيكلتها.
لقد جاءت أزمة كورونا، أزمة صادمة مفاجئة وغير متوقعة مما أدى إلى ردود أفعال انفعالية كبيرة، سيطرت على الدول والأفراد معاً نظراً لتأثيراتها المتعددة على الجوانب الأساسية للحياة، مما أوجدت صعوبة في كيفية التعامل معها، لأن مواجهتها تعد أمراً شاقاً ومؤلماً وتحتاج إلى قدرات وإمكانيات عديدة لأنها فرضت تغيرات وتحولات مجتمعية وسياسية عديدة.
إن أي عملية تغير اجتماعي وما يرافقها من تغير في العادات والتقاليد والسلوك وأنماط الحياة، يحدث نتيجة تأثير مجموعة من العوامل والمتغيرات والمستجدات، وهي مرتبطة بشكل مباشر بالتغير الفكري والثقافي لدى أفراد المجتمع، فكلما اكتشف الناس شيئاً جديداً ومختلفاُ عن ما اعتادوا عليه سابقاً، شكل بالنسبه لهم حدثاً مهماً غير الكثير من أنماط تفكيرهم وسلوكهم وعاداتهم وممارساتهم الحياتية، وهذا سيؤدي إلى حدوث تغير اجتماعي كبير سواء في عاداتهم وتقاليدهم نمط حياتهم وطريقتها ونظرتهم للكثير من الأشياء.
وتعد التحولات الإجتماعية التي تحدث نتيجة للأزمات الصادمة والغير المتوقعة هي الأخطر لأنها تصيب المجتمع على حين غرة، لأنه غير مهيء لها، أو مستعداً للتعامل معها، وبالتالي تؤثر على النسيج الإجتماعي والأسس الإجتماعية التي يقوم عليها المجتمع.
لأن الثابت المهم في المعادلات الإجتماعية هو النسيج الإجتماعي الذي يسعى للمحافظة على الموروث الثقافي والإجتماعي المادي وغير المادي.
ويعد المجتمع الأردني من المجتمعات الأكثر تأثراً بهذه الأزمة الصادمة، نظراً لعدم تأثره منذ أكثر من ستون عاماً بمثل هذه الظروف والتي تمثلت بالحظر العام وعدم القدرة على الخروج من المنازل أو ممارسة حياته الطبيعية، فهناك أكثر من 90% من أفراد المجتمع الأردني لم يتعرضوا مسبقاً لمثل هذه الظروف وبالتالي التأثير الإجتماعي والنفسي كان كبيراُ عليهم، فالمجتمع الأردني يمتاز بخصوصية خاصة تميزه عن غيره من المجتمعات فهو مجتمع مترابط بعلاقات تقوم على روابط الدم والنسب والقربى والمصاهرة ، مجتمع عشائري تحكمه عادات وتقاليد وأعراف أطرت سلوكه وعلاقاته، مجتمع متنوع متعدد ولكنه مترابط ، الجميع يعرف بعضه وكأنه في قرية واحدة.
وأمام هذه الأزمة الصادمة، فإن المجتمع الأردني بلا شك سيتأثر بمخرجاتها وإفرازاتها وسيعيد إنتاج ثقافة جديدة تحمل عادات وتقاليد وسلوكيات وانماط حياة قائمة على تجربته في التعاطي مع أزمة كورونا، وستجد أن هناك قيم جديدة ستحل مكان القديمة أو توازيها إذ لم تتفوق عليها أحياناً، كما ستظهر ممارسات جديدة وأنماط تفكير قائمة على المراجعة الذاتية والنقدية لما كان عليه الحال قبل الأزمة.
إن إعادة واكتشاف مفهوم الدولة في عقول ونفوس الكثيرين سيكون أول التحولات في الوعي لدى المواطن، وستعيد الدولة نفسها للمواطن وتشكل مرجعيته في الإنتماء والولاء، فالدولة ستستعيد أبناءها، والأبناء سيستعيدوا دولتهم، كما أن إعادة بلورة مفهوم الهوية الوطنية الجامعة لدى الجميع ستكون من أبرز أشكال التحول في العلاقة مع الدولة، بالإضافة إلى إعادة الثقة بمؤسسات القطاع العام بعد أن تشوهت خلال السنوات الأخيرة بعد أن برهن على قدرته في ادارة الأزمة بعيداً عن القطاع الخاص، أما المؤسسة العسكرية فهي رسخت ثقة ممتدة عبر سنوات طويلة بل زادت من رصيدها بجيل جديد من الأطفال يؤمنون بها ويثقون بها.
إن الكثير من القيم ترسخت لدى أفراد المجتمع، وأصبحت ذات قيمة عالية، فقيمة الأشياء الإعتيادية التي تمارس كل يوم أصبحت ذات قيمة تمثل ذاكرة حية، وقيمة المساواة في الصحة بإعتبارها القيمة الأثمن، وقيمة المشاركة والعطاء والتعاضد والإجتماعي، والعدالة وقيمة العمل الذي يؤديه كل شخص، كما عززت العديد من القيم الإقتصادية أهمها قيمة المنتج الوطني، وأعادت للعائلة قيمتها بإعتبارها مصدر الأمان ولديها القدرة على التعايش مع الظروف الإستثنائية باعتمادها على قيمة الإنتاج المنزلي، وهي بذلك عززت من المهاره لدى العديد من أفراد المجتمع للتكيف مع ما تفرضه الظروف.
إن الكثير الكثير من العادات والتقاليد والأعراف والسلوكيات وأنماط الحياة ستخضع للعديد من المراجعة والتحليل وإعادة التقييم نتيجة للتجربة مع أزمة كورونا، والكثير من القيم الجديدة ستحل محل القيم القديمة ، وستعود قيمة ومفهوم المجتمع المترابط وقيمة العلاقة مع الآخر أمام الإحساس بعظمة الوطن وقدرته على مواجهة التحديات، ولكن التغير الأهم هو عودة الدولة لأبناءها، واستعادت الدولة أبناءها.